- من أين نبدأ؟.. تتوارد الخواطر في نهار رمضان بشكل مدهش، فلا تملك إلا ان تدعها تتداعى كيفما اتفق.. لعلها الشفافية على السجية تغشى الناس ولا تستثني أحداً ما دام صائماً.. الصائم لا يجازف بحق كفله الله تعالي.. إنه صوم يقود الى الجنة رأساً كما أنبأ الوعد الرباني..الصائم بهذه النية لا يفرط، حتى إنه (إذا سابه أحد قال اللهم إني صائم) ومضى في حاله متبسماً مستبشراً بوعد المولى عز وجل..إنه الصوم (علي بينة).. منتهى السمو على الصغائر. هناك إحتفاء بمآلات الصائم (علي بينة) معولاً على(النية والكيفية)..الكيفية عند العلماء تعني السلوك(كيف نصوم)؟.. نلاحظ أنه ترد تلقائياً سيرة الشيخ محمد عبده كلما انساب الحديث حول (سلوكيات الصائم) وإلتزامه جانب الصدق كأساس للمعاملات المثلى في المجتمع.. لهذا الشيخ مقولة مثيرة للجدل نتذكرها كلما جرت مقارنة بين أوضاع المسلمين والسلوك الأمثل: (ذهبت للغرب فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، عدت للشرق فوجدت المسلمين ولم أجد الإسلام)!. مسافر لعاصمة بعيدة أعاد للأذهان هذه المقولة وهو يبرر لسفره بقوله «أريد أن أتهني بصومي»!.. حسبناه مازحاً لكنه أردف يوضح (الناس هناك لا يكذبون طوال العام وأفضل أن صوم بينهم)!.. صحيح أن من يكذبون ويخلفون الوعود ويقولون ما لايفعلون يجبرونك فعلاً على مغادرة البلاد غير أن هذا(تبسيط) للأمر.. أن بيئة الصوم غير متوفرة في تلك المجتمعات، والمسلمون ما أعانوا على توفرها بسلوكهم ونماذجهم وبرامجهم الدعوية الجاذبة، فلا مناص من أن نقر بأن صوم الصائم هناك لا يسلم من التجريح، كما أن روح الجماعة ومزايا التواصل والانفاق ورد الفعل الجميل محدودة.. بالمقابل وعلى خلاف ما فعل هذا المسافر هناك أفواج يأتون لبلاد المسلمين ليسلم صومهم في بيئة قوامها مجتمع مسلم يتسابق أهله للخيرات والصالحات في سلوك إنساني رفيع طوال الشهر المبارك، ليته يستمر. (سيرة وانفتحت) حول (سلوك رمضان) ولماذا لا تدوم طوال العام ليحدث التغيير المنشود للمجتمع فيتعافى؟.. تلك هي القضية.. الحوار يشتعل حول البحث عن الصدق الدائم الذي يحكم المعاملات ويشفي الصدور فيعم العدل وتستطيب الحياة.. هل فضيلة (عدم الكذب) في المعاملات (حالة) تستعصي على دساتير بلاد المسلمين؟.. الجدل مايزال دائراً حول مسألة(الدين المعاملة) وضرورة استصحاب سلوك رمضان طوال العام لينصلح الحال وتسمو النفوس.. جدل تحسمه للأسف مقولة لشيخ من الشرق تأبي إلا أن تصنفنا في خانة (كلنا في الهم شرق)..اللهم سترك. إنها مفارقة تجددها تأملات الشهر ضمن بشرياته بأن نتغير الى أحسن بفضل كسب الصوم، التواصل، الانفاق، قراءة القرآن، التراويح والتهجد، إعمار المساجد، تلاقي أهل القبلة، انضباط الخطاب العام، وانتصار النفس علي الجوع والعطش، وكل صنوف الحرمان طواعية واحتساباً تعلقاً بوعد الله عز وجل (إنه لي وأنا أجز به). المتأمل في وضع الناس في رمضان وبعده يكتشف جملة مفارقات تستدعي أن نقف عندها لنتجاوز سلبيات بينة يساعدنا الشهر لمكافحتها لنستمر متعافين مما نعاني طوال العام.. صحيح أن(عين الرضا) غالبة، فالظواهر البناءة متعاظمة كل عام، ولكن التساؤلات تترى: هل الإسلام ينتشر؟.. ماذا عن الملايين التي لم تسمع بعد بسماحة الحضارة الإسلامية في العالم وليس في ضواحي الخرطوم؟.. هل تم توظيف الاستراتيجيات وثورة الاتصال والطفرة الرقمية لصالح الإبلاغ بعيد المدي والدعوة (بالتي هي أحسن)؟.. من المؤكد أن المسلمين بعد صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم في حاجة الى دور أكبر.. فمتي؟. لنبدأ بتعزيز(عين الرضا) بكسب رمضان لنتجاوز به مفارقات عتية متراكمة مقدور عليها بالإرادة الهائلة المكتسبة من الصوم، فيستقيم الحال على غير نظرة الشيخ محمد عبده.. نظرة جديدة مواكبة تستثمر روح رمضان وفرص العصر: (ذهبت للغرب فوجدت الإسلام والمسلمين، وعدت لبلاد الشرق فوجدت المسلمين والاسلام).. ورمضان كريم.