الحبيب الزبير مرة أخرى لك الود والإحترام والسلام.. ٭ واليوم ينزلق زورقنا خفيفاً على نهر الإذاعة اللجي الفضي البهيج .. ولك صديقي أن تزهو وتسعد وتفخر بأنك تجلس على أجمل مرتفعات الوطن شأناً وأعظمها حساً وأعمقها أثراً وأبهاها إشراقا .. ولا أملك إلا أن أقول لك «بختك» فأنت الآن تجلس متوهطاً على «كرسي» جلس عليه «متولي عيد» وشرفه بالجلوس «محمد خوجلي صالحين» وتوالى ذاك العقد النضيد من النجوم والأفلاك و جلس عليه الدكتور المبدع صلاح الدين الفاضل المولولد صدقاً وحقاً داخل أسوار الحوش العظيم. وأقول مرة أخرى «بختك» وإن كنت أرى إنك سوف تحمل مسؤولية تهد الراسيات من الجبال.. «بختك» لأن بيدك الآن سلسلة مفاتيح ماسية لأشد الخزائن جواهر ولؤلؤاً وسبائك.. الآن تحت إمرتك صفحات مدهشة وصحائف ملونة وألواح مزركشة من تاريخ السودان إبداعاً .. وغناءً.. وسياسة.. واجتماعاً.. الآن أنت القائد لهذه الإذاعة التي شكلت في بهاء وجدان السودان.. التي لملمت أطراف الوطن البعيدة ونزلتها في عقد من اللؤلؤ لتصبح أغلى قلادة في جيد الكون.. الآن يا صديقي نعود إلى دوي صرخة الميلاد.. نعود نحن على كبسولة الزمن التي تنطلق القهقهري .. تعاكس شوكات الساعة.. تجرجر الشمس إلى الوراء حتى تتوقف عند العام 1940 تلك التي شهدت صرخة الميلاد الأولى. والفضاء والأثير يجلجل ب «هنا أم درمان» الاستعمار يجثم بأحذيته الغليظة على صدرالوطن.. ورغم ليل الرعب الحلوك.. كان لسان حال هنا أم درمان يدوي في ثقة.. أنا الآن في وادي بغير ذي زرع ربي أجعل أفئدة من الناس تهوى إليه.. وتهوى الأفئدة .. كليل تهاوى كواكبه.. خيط من الشمال.. يعدو به مندفعاً نحو «أم درمان» مرسى صالح سراج.. والخيط يشدو «نحن في الشدة بأس يتجلى» .. وخيط من قلب رمال كردفان تحمله بل «تلبسه طرحة» تلك الفتاة المدهشة الجريئة وهي تجهر بحبها.. و.. و.. «زولاً سمح صورة.. كان بالفاتحة بندروه».. وفتلة بالغة البهاء شديدة الضياء.. ناصعة الألوان تندفع بها من غرب جبل مرة.. إمرأة ريل أو صنوبره .. أو برتقالة.. هي والرحيق هي أيضاً.. وتتوالى الخيوط رحلة من أحشاء الوطن.. من سهوله من جباله.. من وديانه.. من غاباته من سواحله من صحاريه.. رحلة قاصدة «نول» أم درمان الماهر العبقري المتين وتمتد السداة.. وتتشابك مع ضربات ورحلة الماكوك اللحمة.. ورويداً .. رويداً تخرج ديباجة الوطن البديع.. ألوان باهرة ولوحات ماهرة .. وتباين بديع واختلاف ألوان حميد.. نصاعة هنا وظلال هناك.. سهول هنا وتلال هناك. ويولد على يد «هنا أم درمان» الوطن البديع. صديقي الزبير الآن صدقت ولا أزيدك إنك تمتلك مفاتيح أغلى الخزائن على الإطلاق في هذا الوطن الجميل.. وهذه رحلة التلوين ومعاناة الميلاد.. وبكره نبكي معك لأن أم درمان وهي تنقض غزلها بيدها فتلة.. فتلة.. فاهترأت الديباجة وكادت تعصف بها الأيام.