رحم الله اللواء محمد طلعت فريد عضو مجلس قيادة ثورة 17 نوفمبر 1958.. اللهم أدخله فسيح جناتك، والتحية لأسرته المتواضعة والخلوقة التي تحدثت من قبل عن ما يسمى بالأحزاب والأقطاب والمريدين، وانتقدت هيئة شؤون الأحزاب.. ومازلت عند موقفي بأن هذه الهيئة لا تملك أية صلاحيات ولا مسؤوليات تجاه هذا الكم الهائل من الأحزاب والتنظيمات العرجاء والمشلولة التي لا أثر لها في الساحة السياسية، وهي عبارة عن «تمومة جرتق»، أما التقليدية منها فهي مملوكة لزعماء معروفين توارثوها أباً عن جد، وأخرى تم تسجيلها بمفهوم «فرِّق تسد»، وهي فكرة جهنمية برع في التخطيط لها والتنفيذ حزب المؤتمر الوطني، ونجح فيها بنسبة عشرة على عشرة، ثم تركوا جرثومة الانقسامات التي أصابت تلك الأحزاب في مقتل، تنمو وتكبر دون مكافحة، فقوي عودها، واشتد ساعدها، وها هي اليوم تنخر في كل أجزاء الوطن الواحد.. ثم تحركت أيدي قادة الأحزاب التي تفككت وتصدعت وانهارت بنياتها التحتية، لتخطط هي أيضاً وتعمل بكل إمكاناتها لإغراق مركب الإنقاذ المهدد والمحاصر من كل جانب، والزعماء وأنصارهم يهتفون ويرددون «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.. الله أكبر ثلاثة»، ولم يحسبوا أي حساب ولا يهمهم من سيقع هذه المرة، فالوطن ما عاد يعني أحداً منهم.. هذا هو العرف السائد والمتعارف عليه لدى من نسميهم بكبارنا، والغرض من وراء تلك الصراعات هو التسابق المحموم على السلطة، فالكل يسعى بدون وعي ليحكم شعباً مصاباً بالعمى والطرش والبكم، شعباً لا يميز الخبيث من الطيب وفقد كل الحواس، شعباً حائراً ومتهماً بانتمائه لحزب المؤتمر الوطني وهو عاجز عن نفي هذه التهمة، ويقسم بأنه لم يدلِ بصوته لأصحاب الشجرة المنهي عنها «ضررها ثابت وفروعها خبيثة»، فمتى كان الكذب حرية ونزاهة، لقد ظن العالم أن الشعب كله مؤتمر وطني عندما أعلن عن كسبه لكل الدوائر، وحصده لكل المقاعد، أما وإن رأيتم حزباً نال دائرة أو اثنتين فلا تظنوا أن الحزب منهزم، والشعب لا زال ينكر هذا الانتماء جملة وتفصيلاً، فإن كان هذا النكران بسبب عدم رفع المعاناة عن كاهله أو سبب عدم الاعتراف بوجود تلك المعاناة، فربما يدخله سوء الظن في قائمة الإرهاب والتسرع في الحكم، كيف لا وولاية الخرطوم تسعى بكل جهدها وتعمل من أجل راحتكم وإلا لما كابدت وعانت لتجلب لكم هذه البصات الضخمة والمكيفة والمزودة بتلفزيونات تنسيك المحطات الرئيسية والسندة. ومن كان يؤمن باليوم الآخر وبالتضحيات، فلن يضن على الولاية ولو أجبرته المعاناة بأن يستدين ثمن التذكرة المضاعف، ومن أجلك أيها الشعب البطل أحلت الولاية لبصاتها الحرام وحرمت الحلال على بقية المركبات التي تدعم الطالب وذوي الحاجات الخاصة، بمعنى (العندو القلم بسوي شنو؟).. أما والله شعب عجيب! فيا أيها المعنيون بأمر السودان وبشعبه، لديّ سؤال أتمنى أن أجد له إجابة شافية من أي مسؤول ينتمي لحزب المؤتمر الوطني، إن شاء الله أكون احتياطي دائرة، والسؤال هو: أين وكيف ومتى يوضع حجر الأساس برفع المعاناة عن شعب ما عاد يحلم وكيف يحلم وهو لا ينام، ولكنه يتمتع بصبر لا ينفذ، تحمل عبء الحياة ببلائها وابتلاءاتها وأنتم تنظرون إليه كالغريب، وإن تتبعتم حركته تجدوه قد سئم المناورات وكره الشعارات والوعود، فلم ينشغل باستفتاء ولا بتقرير مصير ولا بوحدة أو انفصال، همه الأول والأخير هو أن ينال الهلال كأس البطولة الأفريقية «الكونفدرالية»، هذه هي أمنيات هذا الشعب الذي يشارك بحماس في المباريات، فلماذا إذن لم تتح له فرصة المشاركة في تقرير المصير «وشهراً ما عنده فيه نفقة قطعاً لن يعد أيامه». مرة أخرى أعود لهيئة شؤون الأحزاب، وإلى عمنا الشيخ الفصيح، ومولانا الحسيب النسيب، وأبو كلام الزعيم والإمام، وأقول لهم جميعاً (ما عافين ليكم في الدنيا والآخرة إنتوا السبب حِلوا عننا إنا تطيرنا بكم). أما إنتو يا ناس المؤتمر الوطني أحسب أن حسابكم قد دنا، ومن الأحسن والأجدر أن تتصالحوا مع هذا الشعب في أسرع وقت ممكن، ومن الواجب عليكم أن تعيدوا النظر في «بغالكم»، واحسبوا الطفش منها والمتبقي من بقية الدواب، واعلموا أن شهر يناير لناظره قريب، وسينتظره الشعب مثلما أضاع العمر في انتظار البترول.فمتى تكون لهذا الشعب مكانة، أفيقوا أيها الحالمون والتفتوا إليه بعد طول غياب امتد لأكثر من عشرين عاماً مضت، وتحسسوا مواطيء أقدامه، ضمدوا جراحاته وخففوا من معاناته واشركوه في قضايا الوطن، ولا تجعلوه رمزاً للتهاني والتعازي والمباركة. أحذروا غضبة الحليم فوالله ما عاد الأمر يحتمل، وتعاملوا بمسؤولية التكليف والويل لنواب الشعب الذين ضاقت مساحاتهم، فغابوا عن الوعي والساحة. اللهم أرضى عنا وشتت شمل أعدائنا.. وثبتنا على المحجة البيضاء.. ومن هول يوم يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه.. اللهم أمتنا على الإسلام.. وارزقنا الشهادة وحسن الخاتمة يا رب العالمين. وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق.