٭ اللبنانيون، شعب لطيف، أنيق ونظيف.. وهي من أبرز سماته الحضارية التي أشتهر بها وجعلت من بلده الصغير أكبر منتجع سياحي في العالم.. وظل كذلك حتى بعد حرب السنوات العشر التي دمرت بيروت وحولت مدنه الرئيسية الى خرائب، لكنه سرعان ما استعاد للبلاد رونقها ببرنامج فوري لإعادة الإعمار بمجرد توقف الحرب بأتفاق الطائف. ٭ الآن تشهد لبنان ثورة من نوع آخر، هي ثورة من أجل البيئة النظيفة والصحية، بعد أن أصبحت النفايات والقمامة تغطي شوارع العاصمة بيروت التي باتت كما هو الحال في مدن عربية أخرى عبارة عن «مزابل وكوش» كبيرة.. لكن لتحضر اللبنانيين ووعيهم البيئي وأناقتهم ونظافتهم الشخصية خرجوا في تظاهرات وثورة شعبية تواصلت على مدى أيام الأسبوع الحاضر ولا يعرف أحدٌ متى تنتهي.. تظاهرات وثورة عارمة تحمل عنوان «طلعت ريحتكم». ٭ و «طلعت ريحتكم».. الذي هو شعار الحملة والثورة الشعبية الراهنة.. هو بمثابة إشارة واختصار لكيفية تصرف الحكومة والقوى الحاكمة في موضوع الخدمات والنفايات.. فالشعب اللبناني يتهم الحكومة ووزير البيئة «محمد المشنوق» على وجه الخصوص بتلزيم أي ترسية عطاءات جمع النفايات ونقلها وتدويرها لمحسوبي «وازلام» السلطة الحاكمة الذين أمِنُوا العقاب وبالتالي «لم يعملوا الحساب»، فأتسم أداؤهم بالتسيب والإهمال حتى صارت «بيروت» عاصمة الجمال والسياحة الى ما صارت اليه.. باتت تشبه الكثير من عواصمنا التي من أهم معالمها القذارة.. «فطلعت ريحتها» وريحة القائمين على أمرها.. وهذا ما لا يطيقه شعب أنيق ونظيف متحضر كالشعب اللبناني. ٭ لكن ل«ثورة» النفايات في لبنان «دولة الطوائف» ابعاد أخرى، فلبنان بلا رئيس جمهورية، ورئيس الوزراء سلام تمام ، برغم أنه رئيس المؤسسة الدستورية الوحيدة القائمة في لبنان، اعلنها داوية أنه إذا لم يتم الاتفاق في مجلس الوزراء على وضع حد «لأزمة النفايات» فلا معنى لبقاء الحكومة.. يقول ذلك ملوحاً بالاستقالة وما يترتب عليها من فراغ دستوري.. ففي غيبة رئيس الجمهورية وتعطيل مجلس النواب بسبب المكايدات الطائفية والحزبية.. فإن استقالة تمام تعني «الفراغ الدستوري» وما ادراك ما الفراغ الدستوري في بلد كلبنان يقوم نظامه علي المحاصصة الطائفية ويواجه نيران الثورة السورية المشتعلة في أطرافه الشرقية.. وتتربص به اسرائيل من ناحية الجنوب.. بينما تتحكم مليشيات «حزب الله» في كثير من أقداره الأمنية ومصائره السياسية! ٭ وإذا ما عدنا من لبنان الى هنا الى الخرطوم «كرش الفيل» التي تئن هي الأخرى من أحمال المزابل والنفايات.. نجد أن السؤال الرئيس الذي واجه الوالي الجديد عبد الرحيم محمد حسين وهو يعلن حكومته في ذلك المؤتمر الصحافي الذي عقده «الاحد» هو: ماذا سيفعل تجاه «تحدي النفايات»؟!.. الحقيقة لم يكن لدي الوالي تصوراً محدداً للاجابة على هكذا سؤال مفاجيء، ولكنه اعتبرها كما سائلوه «تحدياً كبيراً وقضية معقدة، تستلزم بذل الجهد الحكومي والتعاون المجتمعي».. وهذا قطعاً غير كافٍ.. فأمر النفايات في بلادنا أكبر واكثر تعقيداً وقد نعثر على شبهات فساد اذا ما شغلنا «المجسات» ودققنا النظر.. ومع ذلك دعونا ننتظر لنرى ماذا سيفعل الوالي الجديد.