يبدأ رئيس الجمهورية المشير عمر البشير اليوم زيارة رسمية إلى جمهورية الصين الشعبية بدعوة من الرئيس الصيني جين بينغ، للمشاركة في احتفالات الدولة بالانتصار على اليابان في الحرب العالمية الثانية، لكنها بكل حال هي زيارة تأمين الموقف الاقتصادي للبلاد. وتعتبر هذه الزيارة الثانية لرئيس الجمهورية للصين بعد قرار الجنائية، حيث كانت الأولى في يونيو 2011م قبل انفصال الجنوب، وكانت محفوفة بالمخاطر، تحدى فيها الرئيس المحكمة الدولية وفي ظل عداء مستفحل من عدة دول آنذاك ضد السودان. سر الزيارة: أما هذه الزيارة التي تستغرق ستة أيام يعقد خلالها الرئيسان مباحثات ثنائية تتعلق بدفع العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، كما ستوقع خلالها عدد من الاتفاقيات مع مجموعة من الشركات الصينية لشراء طائرتي إيرباص طراز (320) وثلاث طائرات أخرى للنقل الداخلي، بالإضافة إلى (9) بواخر وبناء خط سكة حديد في شرق السودان.. وفي بكين أعلنت السفارة السودانية هناك اكتمال الترتيبات لاستقبال البشير ووفده المرافق الذي يضم كلاً من وزراء الخارجية و النقل والطرق والنفط وشؤون الرئاسة ومحافظ بنك السودان، بجانب عدد من المسؤولين بالدولة.. وتأتي الزيارة في ظل متغيرات وتحولات كبيرة، أولها أن البشير مطالب في هذه المرحلة بالإيفاء بتعهدات حكومته في دورتها الجديدة التي تعتمد على تحسين الاقتصاد، حيث يمكن أن تلعب الصين دوراً كبيراً في هذا الجانب، كما حدث تغيير في منظومة العلاقات الخارجية للسودان التي بدأت بدول الخليج وعلى رأسها المملكة السعودية بمشاركة البلاد في عاصفة الحزم التي تقودها السعودية وحل الأزمة في اليمن وإعادة الشرعية إليها، وتوجت هذه الخطوة بأول زيارة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي للبلاد أمس الأول، وقبلها كان توسط الخرطوم بين القاهرة وأديس أبابا لحسم الجدل حول سد النهضة الذي تخوفت منه مصر كثيراً وما تزال.. هذا بجانب دور السودان في طي صفحة الخلاف الجنوبي الجنوبي، وتعويل الرئيس الجنوبي على البشير في حل أزمة بلاده. الأهداف: وفي هذه المرحلة من الواضح أن الخرطوم قررت الاتجاه شرقاً نحو الصين في سياستها الخارجية، وشمالاً نحو روسيا حيث بدأ تعاون من نوع جديد معها في مجال التعدين «شركة سيبرين»، ولكنها في ذات الوقت تضع نصب عينها على الولاياتالمتحدة التي تجري هذه الأيام مباحثات مغلقة بالخرطوم منتظر منها أن تخرج بمقررات ربما أدت إلى خطوات في تحسين العلاقات بين البلدين بعيداً عن سياسة الجزرة والعصا.. ولكن كل ذلك ليس خصماً على العلاقة الأزلية مع بكين التي تعود إلى العام 1955م عندما التقى الرئيس الصيني شوان لاي والسوداني إسماعيل الأزهري، و اعتراف السودان بالصين كدولة مستقلة وافتتحت الصين سفارتها في الخرطوم عام 1959م وافتتح السودان سفارته في بكين1970م. وتأتي زيارة البشير هذه المرة بطابع اقتصادي بحت فيما يبدو في محاولة منه لعبور الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد بعد خروج نفط الجنوب. وكشف وزير النقل والطرق مكاوي محمد أحمد، بحسب شبكة الشروق، عن عقد ستوقعه الحكومة مع شركة صينية لبناء خط سكة حديد بشرق السودان واستجلاب قاطرتين للنقل تعملان في خط مدني الخرطوم. بجانب اتفاق إطاري لتصنيع (9) بواخر في مجال النقل النهري تسلم قبل نهاية العام الحالي، و(4) بواخر لنقل الحاويات والغاز وأخرى متعددة الأغراض. وأكد مكاوي أن البشير سيشهد خلال الزيارة توقيع اتفاق شراء طائرتين إيرباص طراز (320) عبر البيع التجارى بجانب استجلاب ثلاث طائرات من طراز «16 إم إيه» لرفع قدرات الناقل الوطنى. الخبير الاقتصادى عبد الله الرمادي وصف توقيت الزيارة بالمناسب للغاية لتحريك طاقات الناقل الوطني الجوي والبحري في الوقت الراهن. مقطع سينمائي: ولأن الزيارة الرئاسية السابقة للصين شابتها مخاطر والتي تم تجاوزها لكنها هذه المرة تأتي في ظل المتغيرات التي ذكرناها آنفاً، من المستبعد أن تواجه بأي تحديات أمنية تتمثل في تهديدات المحكمة الجنائية التي تحداها البشير أكثر من مرة ولم توقف تواصله مع العالم إطلاقاً.. ويرى الخبير الأمني العميد «م» حسن بيومي أن رحلة البشير هذه المرة مؤمنة تماماً، وقال إن الصين ستلعب دوراً كبيراً في ذلك. لافتاً إلى أن الوضع في هذه المرة مختلف تماماً، خاصة وأن الطابع الاقتصادي يغلب عليها، وتوقع بيومي أن يحدث ما أسماه ب«المقطع السينمائي» من بعض الدول المعادية للسودان عند عودة الرئيس من الصين ليقولوا «نحن هنا»، ولكنه قلّل من الخطوة كما حدث في تمثيلية جوهانسبرج.. ماهو المطلوب؟ كما ذكرنا سابقاً أن الزيارة يعول عليها كثيراً في الجانب السياسي والاقتصادي، ويري مراقبون ضرورة أن تلعب الصين دوراً أساسياً في دعم قضايا السودان بخاصة الحوار الوطني الذي انطلقت صافرته، والأهم من ذلك دعم موقف الخرطوم من المحكمة الجنائية، وقد سبق أن أعلنت الصين رفضها للخطوة، هذا إلى جانب دعم الاقتصاد الوطني الذي يعاني من التأرجح في ظل عدم ثبات سعر الصرف، وذلك من خلال جذب استثمارات صينية جديدة وإيجاد فرص جديدة لاستجلاب العملات الصعبة خلاف البترول غداة انفصال الجنوب.. وأكد الخبير الرمادي أن أي تبادل تجاري مع الصين سيكون له عائد إيجابي ولمصلحة الاقتصاد السوداني الذي يحتاج للكثير، ودعا القطاع الخاص للاستفادة من العلاقة مع الصين ومن إمكانياتها الضخمة في السلع الاستهلاكية، وأعاب عليه استيراد السلع الأقل جودة. إذن الزيارة إلى الصين لها ما بعدها وهذا ما ستفصح عنه الأيام المقبلة.