٭لو أن الفريق أول الفاتح عروة ظل مستمراً في الحديث الذي جمع بيننا عن أيامه الأولى في مدينة كسلا .. لأوصله ذلك إلى حالة لها طعم الدموع.. شعرت أن الرجل وبالرغم من المسافة الطويلة بينه وبين خضرة جبال التاكا إلا أنه قلبه لم يزل معلقاً بعبق القباب الصباحية البيضاء وهي تستقبل روائح الخريف القادمة من حدائق البرتقال في السواقي الجنوبية. ٭ لو أن تلك المجموعة من العسكر التي القت القبض على أستاذنا محمد عثمان كجراي واقتادته أمامنا مقيداً ونحن لم نزل أطفالاً لو أنها علمت بأننا كدنا أن نموت رعباً عليه لما فعلت ذلك.. كبرت بعدها الأيام فعلمنا أن أستاذنا النحيل الشامخ كان واحداً من قادة الفصائل المقاومة للمستعمر البريطاني وكان مناضلاً شاعراً في نفس الوقت . ٭هل تعلمون أن الأب الماليزي الجنسية إذا رزق بطفلة اشتعل البيت فرحاً أما إذا كان القادم طفلاً أشاح بوجهه غضباً، أما نحن فبمجرد أن نسمع بان القادمة طفلة تحولت الابتسامة إلى نصف دمعة أما إذا كان المولود طفلاً إمتلأ البيت بالزغاريد فمتى نكون مثل الشعب الماليزي نمنح الأزهار قليلاً من الحنيه. ٭لو إن ذلك الأب الذي صفع ابنه حتى تهاوى على الأرض لمجرد أنه لم يحصل على مجموع يؤهله للدخول إلى إحدى الجامعات الحكومية.. لو أنه علم أن عالم الفيزياء المعروف (البرت أنشاتين) الذي اكتشف نظرية النسبية التي حولت العالم إلى مجرد كرة على اليد.. ليته علم أنه هذا العبقري لم ينل تعليماً جامعياً في حياته. ٭لو أن ذلك الشخص الذي تمنى أن تموت محترقة بعارها حين تأملها وهي تهبط ليلاً من عربة سوداء.. ليته علم أن والدها توفى ثم لحقت به أمها بعد أن تركا لها نصف دستة من الأخوات وبالرغم من أنها ناضلت للخلاص من براثن الذئاب المنتشرة من حولها إلا أنها لم تجد من يؤمن لها قوتاً لأخوات يحترقون جوعاً فأتجهت إلى الغرف الحمراء قسراً ..عفواً آخر الأمر من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر. ٭لو أن الأمير الأموي الذي أمر أن يدفن الشاعر وضاح اليمن حياً لمجرد أنه تغزل في إمراة بطريقة غير جديرة بالاحترام.. لو أن هذا الأمير يعيش بيننا الآن لأمر بإقامة مقابر جماعية لشعراء الأغنية الهابطة قبيحة الوجه عارية المعاني التي أصبحت منتشرة في حفلاتنا الخاصة والعامة مما جعلها صيداً سهلاً للوسائط الإعلامية لتوزيعها علينا في كأس من عسل مسموم.. ترى إلى متى ستظل أيامنا المتوجة بالبراءة تحت رحمة هذه الأغنيات المحملة بالطاعون؟