كل المنظومات الأمنية في العالم اليوم لا تخرج عن كونها منظومات لأمن نسبي فقط، لأنه لا يوجد في الكون حقيقة ما يسمي بالأمن المطلق، ففي الآية الكريمة: «وآمنهم من خوف».. فطالما الخوف موجود على ظاهر الأرض فإذن لا يوجد أمن مطلق أبداً وذلك لأنه مهما يتم الإجتهاد في التأمين والإحتياطات ولو تم اتخاذ حرساً شديداً وشهباً فلن يستطاع خفض المخاطر الأمنية إلى درجة الصفر. لذا فإذا كان هناك أمن مطلق لما عثر سراقة بن مالك على قافلة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اتخذ كافة التدابير الأمنية الوقائية عند الهجرة النبوية الشريفة عند إتخاذه صلى الله عليه وسلم لعملية التمويه والتي خرج عبرها نحو الجنوب من مكة وهدفه أصلاً المدينةالمنورة، والتي تقع في الشمال من مكةالمكرمة. وأيضاً ما تم من إزالة لآثار أقدام النبى «ص» وأبابكر برعي عامر بن فهيرة بأغنامه على مسار الطريق، وما تم كذلك من استخبار واستطلاع عبدالله بن أبابكر عن اخبار قريش، وكل ذلك وغيره من الاحتياطات لم يمنع سراقة من العثور على مكان القافلة طمعاً في الجائزة، ولولا تدخل العناية الإلهية بغوص أرجل فرس سراقة في الرمال لتحول بينه وبين اللحاق بالنبي «ص» وصحبه للحق بهم. لو كان هناك أمناً مطلقاً لما قرن لنا رب العزة الإطعام من الجوع والأمان من الخوف برحلة الشتاء والصيف، فاستمرار هذه الرحلات هو الذي يحقق الأمان من خوف والجوع بالإطعام، وحتى القرى التي انعمت برغد العيش فأمنها من لباس الجوع والخوف يظل نسبياً، لأن الإدامة مقرونة بدوام الشكر على النعم. كما أنه لو كان هناك أمن مطلق لما ضرب مركز التجارة الدولي في نيويورك في هجمات سبتمبر 2011م وهو في قلب أمريكا ذات المنظومة الأمنية المشددة والتدابير الوقائية الدقيقة. إذاً كل ما تتخذه الدول اليوم من الإجراءات الأمنية بكافة أشكالها لحماية أمنها القومي ما هي إلاّ وسيلة استباقية لتقليل المخاطر الأمنية المحتملة إلى أدنى درجة ممكنة وليس لتفاديها مطلقاً لاستحالة ذلك، وهذا هو الناموس.. فكلما أنبت الزمان قناة ركب الإنسان لها سنانا. فمهما أُغلقت جميع المنافذ وسُدت كل الثغرات وأُتخذت كافة الإجراءات والتحوطات إلا أن المحظور قد يقع، وذلك حتماً ليس لتطور الجريمة أو عبقرية الإرهاب ولكن لأن كل ما يتم اتخاذه من وسائل لا يتعدي حدود النسبية الأمنية ولا يصل إلى مرحلة الأمن المطلق لاستحالة ذلك فهذا جهد البشر وتلك الأقدار الربانية. وبالله التوفيق.