لست جيلاً من العصر القديم لكنني لست من جيل الذين ظهروا في الساحة السودانية وهم أكبر مني بعقود من الزمن.. ولكن أذنهم بيضاء من التكييف.. وعاصرناهم وننكوي بحديثهم عن البروتينات والضفادع. عاصرت في شبابي الفترة الأخيرة من عصر أبو الطب في السودان وعصر البروفيسور الحقيقي الذي كان يقوم بالسماع إلى مشاكل أهله وعشيرته وجيرانه وأبناء حلته عندما كان يزاملهم في رحلته للعمل في معدية توتي الشهيرة.. والذي كان يرجع بالدواء ويصرفه لمن قابلهم في رحلته الصباحية في عيادة بنطون توتي المتحركة والتي كانت تشق نيلنا الخالد. ولعل ما يذكرني بالبروفيسور داؤود هو أنه أثناء عملي اليوم سألني أحد أصحابي عن ابنه الطبيب المقيم بأيرلندا. أثناء عملي بفترة الامتياز بمستشفى الخرطوم لم يحالفني الحظ أن أكون ضمن كتيبته لكنني كنت أسرق الوقت لكي أطل في عيادته بمستشفى الشعب أو ألازمه في مروره الصباحي على مرضاه والذي كان قد وصلت به المرحلة أن يؤديه من علي الكرسي.. ليس لأنه تعود علي الراحة أو كعنجهية.. ولكنه كان قد بلغ مرحلة أنه لا يستطيع الاعتماد على ركبتيه لفترة طويلة. كان وهو على كرسيه يعطي العلم مدراراً كما يجري النيل بانسياب دون أمواج عالية ولا شعور بأنه هو الذي يجعل هؤلاء مبهورين بطريقته التي يعطي بها العلم شلالاً رويا. بروفيسور داؤود كان متخصصاً في مجال لا يسمح له بأن يعطي لمرضاه الكثير بحكم الطبيعة الفسيولوجية لذلك الجزء من الإنسان.. وهو الجهاز العصبي والذي من خاصيته ما تلف منه لا يمكن إرجاعه لما كان عليه أولاً.. ولكنه بعلمه الغزير كان يمتد لجميع التخصصات وليس عن عدم معرفة أو بمفهوم ما يحدث في السودان «عيادة طبييب عمومي، باطنية، جراحة نساء وتوليد، وأذن وحنجرة وغضروف منزلق وركب سايبة». تنامى إلى علمي أن الحكومة في آخر أيامه أهدته عربة ولا أدري إذا كانت هذه هي أول عربة في حياته ولكني أعلم أنه لم يملك عيادة خاصة في حياته. وأقارنه ببروفيسورات آخر الزمن والذين استغلوا اسمهم بامتلاك مستشفيات خاصة وكليات خاصة ويتحدثون عن حياتهم الأسرية وعن امرأته المصونة وعن أبنائه الذين سنوا للشعب السوداني صلاة العريس وعن بناته اللاتي يتراقصن في أعراسهن على أنغام الموسيقى وبطريقة غريبة لا شرقية ولا غربية إنتاج بلدي مية المية. ويا شعباً لهبك ثوريتك أشبعوا من الضفادع.. لكن قبل أن تأكلوه اسألوا أولاً هل هو حلال أم حرام لأنكم أول من يؤمنون بالرزق الحلال.