وما زلنا بين يدي مولانا وزير العدل.. وما زالت وصايانا وتحايانا تتلى وتهطل.. وما زال خوفنا ورعبنا من مراوغة ومحاورة ومخاتلة بعض المتجاوزين للقانون تتلون وتتلوى و«تلولو». وبالأمس حدثناه عن حصن شاهق الحوائط.. منيع البنيان.. فولاذي الأركان يحتمي به بعض الوالغين في المال العام.. الناهبين لأرض الوطن.. المتصرفين في ممتلكات الدولة بدون وجه حق.. بحصن اسمه الحصانة.. واليوم يا مولانا ننفق مداداً كثيراً وكثيفاً ونتمنى أن يكون مباركاً شرفاً للحصانة وتفنيداً لكل فصولها وحروفها.. ونقول: أولاً:.. إن كل من يعرف شيئاً عن المعلوم من الدين بالضرورة يعلم تماماً ويعرف «زي جوع بطنو» أن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات.. ولكن ورغم ذلك فقد اختار بعض الأخوان أن يحتطبوا في حقول الأمور المشتبهات.. فكان عرض شريط «التحلل».. واتبعوه بفقه الضرورة ثم واصلت قافلتهم السير ووصلوا إلى حدائق «التمكين» واستمرت الرحلة القاصدة حتى أناخت رحلها في «جنينة» «فقه السترة».. وكان لا بد من غطاء لكل تلك الشبهات.. وكان لا بد من «درقة» صد ومظلة وقاية لكل تلك التجاوزات.. فكانت آخر طلقة في خزانة بنادقهم هي «الحصانة» ولهم نقول: إنكم ترفعون رايات إسلامية شاهقة وتزرعون الفضاء بشعارات إسلامية خالصة.. ونحن و«بقلب قوي» نقول لكم إنه ليس في الإسلام حصانة لأحد مهما كان ذلك الأمر.. بل ليست هناك حصانة لبشر وطئت قدماه الأرض إلا لسيد الرسل وخاتم الأنبياء محمد صلوات الله وسلامه عليه.. وهاكم هذه القصة التي تقرر في إبانة وجلاء ونصاعة أنه لم تكن هناك حصانة حتى للفاروق عمر بن الخطاب وكل الكون يعلم من هو ابن الخطاب.. وأنه لم تكن هناك حصانة لمدينة العلم وأول فدائي في الإسلام.. وزوج فاطمة بنت النبي المعصوم ووالد سيدي شباب الجنة الحسن والحسين علي بن أبي طالب.. وهاكم قصتيهما. في المسجد.. والفاروق عمر أمير المؤمنين يقف في منبر النبي الكريم.. والرعية تسمع.. قال: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا.. وقبل أن يواصل وقف رجل من غمار الناس من أفراد الرعية.. وخاطب أمير المؤمنين قائلاً: «والله لا نسمع ولا نطيع حتى نعرف لماذا لك ثوبان ولنا ثوب واحد».. لم يأمره أمير المؤمنين بالجلوس.. ولم يأمر بحبسه أو جلده.. بل لم يقطع رأسه وإن فعل ما لامه أحد.. رغم أن حديث الرجل هو صحيفة اتهام كاملة وأن المسجد قد تحول إلى قاعة محكمة يواجه فيها أمير المؤمنين اتهاماً.. هنا طلب أمير المؤمنين من ابنه عبد الله بن عمر أن ينهض ليشرح للرجل ما يعرفه عن هذا الاتهام.. نعم إنها محكمة وإن أمير المؤمنين قد أتى بابنه شاهداً للدفاع.. ومن غير حصانة جرت المحاكمة.. واقتنع الرجل في يقين من براءة أمير المؤمنين وهنا فقط خاطب أمير المؤمنين قائلاً الآن نسمع ونطيع». وقصة أخرى وأيضاً جرت أحداثها في إمارة أمير المؤمنين الخليفة العادل وفي عهده الذهبي القدسي النادر.. ويهودي يشكو علي بن أبي طالب لأمير المؤمنين عمر.. يطلب أمير المؤمنين من علي واليهودي المثول أمامه.. ومحكمة تنعقد... ويجلس أمام عمر رضي الله عنه علي رضي الله عنه وبجواره يجلس اليهودي وتنتهي المحاكمة.. التي تقول أحداثها إنه لا حصانة حتى لعلي بن أبي طالب أمام شكوى من يهودي. والآن يا مولانا.. رجاء أنزع كل الحصانات من كل متحصن.. فإذا لم تكن هناك حصانة حتى لخلفاء النبي المعصوم مثل عمر وعلي.. فكيف تكون هناك حصانة في عهدنا هذا لكل زعيط ومعيط. بكرة آخر الوصايا..