دخل عالم على ملك طاغٍ مستبد بأحكامه فذكر العالم للملك خروجه عن الحق .فغضب و أمر بحبس العالم , و بعد سبع سنوات جلس الملك يوماً للمظالم و تذكر كلام العالم , فأمر به فأُحضرَ بين يديه . قال له الملك : قد ركبت معي مركب الخطر حين كلمتني بكلام غليظ . قال العالم : أنا طبيبٌ إذا دخلتُ على مريض أنصحه . فقال الملك : و من أمرك أن تقول لي ذلك . قال العالم : و أنت من أمرك أن تجلس على هذا الكرسي للقضاء فقال الملك : أمرني أمير البلاد . قال العالم : و أنا أمرني رب العباد . فقال الملك : أما علمت أنَّ من تجرأ على السلطان فقد عرض نفسه للهلاك !! قال العالم : و أنت أما علمت أن من تجرأ على الرحمن يلقى في النيران ! فقال الملك : لم تقل العلماء مثل قولك هذا ؟ قال العالم : يخافون من سجن سبع سنوات و أنا أقتدى بسيدنا يوسف السجن أحب إلي من ابتغاء رضاك أو اختشاءِ بلاك . فطاب قلب الملك وقال للعالم : اطلب مني ما تريد . قال أنا شيخ ردَّ عليَّ شبابي . فقال الملك : لا أقدر على ذلك .قال العالم : نجني من الموت . فقال الملك : ليس لي ذلك . قال العالم : أنا على باب من يقدر على ذلك كله فقال الملك: سألتك أن لا تبرح حتى تطلب مني شيئاً . فلتفت العالم فأبصر عبداً دميم الخلق فقال إن كان و لا بد فإني أطلب من عبدك هذا و ليس منك . فقال الملك : هذا جهل منك , تتركني و تطلب من أقل عبدٍ لي .قال العالم أغضبت حين قلت أطلب من عبدك هذا . و أنا أخاف أن يغضب عليي مولاي و يقول تتركني و تطلب من أقل عبد لي . فقال الملك : لا تبرح مكانك ما لم تطلب مني شيئاً .قال العالم : احمل لي ثلاثة أكياس حنطة على ظهرك فقال الملك : لو قدرت لفعلت . قال العالم : إن كنت لا تقدر على حمل ثلاثة أكياسٍ من الحنطة على ظهرك فكيف تقدر على حمل أوزار الناس ( نحن بهذا الزمان لا نستطيع حمل أوزارنا )فغشي على الملك و سقط من على كرسيه و لما استفاق اعتق عبيده و تصدق على الفقراء و خاف الله سبحانه و تعالى .