٭ لم أتوقع وأنا أتجه نحو مدينة الأبيض ضمن وفد وزارة السياحة للاحتفال باليوم العالمي للسياحة أن أرى من الجمال ما أوصلني درجة الإنبهار.. مساحات خضراء ممتدة على طول الطريق وأسراب الطيور البيضاء المتجمعة حول برك المياه التي خلفها الخريف و(قطعان) من الحيوانات على ما أظن أنها تجد متعة كبيرة وهي ترعى وسط الأعشاب الخضراء، وأكثر ما أثارني وحرك شجوني تلك المجموعة من الأطفال العائدين من المدرسة وهم على ظهور الحمير مترادفين، ويبدو على وجوههم فرح الطفولة وعلامات الرضا والثقة بالنفس.. واندهشت من منظر النساء اللائي يحصدن الزرع (بالحشاشة) وعندما ألقى المغيب بظلاله على الحقول بدأت مجموعات المزارعين رحلة العودة إلى (الحلال) المتفرقة هنا وهناك على طول الطريق، وكلهم عزم على مواصلة العمل عند الصباح الباكر .. والمنظر الذي لاينسى منظر الهودج أو ما يطلق عليه الأهالي (الشبرية) وهي تتهادى على ظهر الجمال.. يبدو أن عروساً كانت بداخلها .. جبال كردفان تحكي قصة مختلفة تماماً ترويها النباتات الخضراء أعلى الجبل و(الجناين) المحيطة به من أشجار الليمون والقشطة وأشجار التبلدي الضخمة التي أعادت إلى ذهني بعض الأساطير القديمة، منظر الوادي أسفل الجبل وقد نحتت المياه على أطرافه اشكالاً تجعلك تعتقد أن نحاتاً أدخل عليها لمساته الماهرة.. ٭ مدخل مدينة الأبيض حيث يعلو في بعض أجزائه إلى عدة أمتار، ومن ثم ينخفض إلى الأسفل بنفس الدرجة وبمحاذاة الطريق الأسفلتي مباشرة تنمو بعض الأعشاب التي يميل لونها إلى الأصفر، شكلت شريطاً على جانبي الطريق، زرت مدينة الأبيض عدة مرات وسمعت بتردة الرهد لكنني لم أتوقع أني أرى منظراً بهذه الروعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. مساحات من المياه مترامية على مد البصر هي أقرب إلى النهر، إمتطينا (أبو رفاس) وقمنا بسياحة يمكن أن أطلق عليها رحلة نيلية، وقد علمت من أحد الضباط بشرطة الحياة البرية أنها حفرت عام 1965، حفرها ضابط تنفيذي بمحلية الرهد يدعى سليم حسن سليم بطول 12 كيلو وعرض 2 كيلو تبلغ سعتها 86 ألف متر مكعب تحتوي على بعض الأنواع من الأسماك التي تم استزراعها وأشهر أنواع الأسماك سمكة أم كورو بالإضافة إلى العجل والبلطي والبياض تتغذي من خور أبو حبل وأم دقرقر وبعض الخيران المنحدرة من جبل الداير.. وقد أعلن وزير رئاسة مجلس الوزراء أحمد سعد عمر خلال مؤتمر صحفي عن اعتبارها مقصداً سياحياً، كما أعلن جبل الداير محمية طبيعية.. حيث يوجد به حيوان نادر يسمى (النلت) من فصيلة البقريات وتوجد حول الجبل أكثر من 46 قرية، ويعتبر جبل الداير الواجهة السياحية الوحيدة بالولاية، وهناك خطة استراتيجية وخطة إدارية بمشاركة إدارة الحياة البرية ووزارة السياحة لجعله منطقة سياحية عبر إقامة نزل سياحي والاهتمام برياضة تسلق الجبال. وقال رئيس وزارة مجلس الوزراء أحمد سعد عمر إن ولاية شمال كردفان هي أول ولاية تحتفل بهذا الحدث العالمي، وأضاف أن المغذى من الاحتفال أن نوضح أن سياسات الدولة تتجه نحو النهوض بالسياحة وجعلها مورداً اقتصادياً، وأكد دعم مجلس الوزراء لوزارة السياحة لتنفيذ خطط وسياسات الدولة في هذا المجال، وكشف وزير السياحة محمد أبو زيد أن الوزارة بدأت (بالسمكرة الداخلية) للوزارة عبر إعادة البناء الداخلي للإدارات والهياكل، وأضاف تلمسنا مواطن الضعف وأكد تركيزهم على التدريب خاصة في مجال اللغات ومجال الإرشاد السياحي، وأكد على ضرورة تغيير السلوك خاصة في جانب الاتكيت واللباقة، وكشف عن ضعف إعداد المرشدين، إلا أنه قال لا توجد أرقام دقيقة لأعدادهم.. لكنه قال إن الإرشاد السياحي سيغطي كل ولايات السودان.. وقال إن التدريب سيفتح لكل من يرغب عبر رسوم رمزية، واعترف بضعف الموقع الالكتروني للوزارة من حيث التصميم والمادة، وكشف عن التعاقد مع شركة لعمل موقع جديد، وحمل بعض الأشخاص مسؤولية إحجام المستثمرين.. ودعا رأس المال الوطني للدخول في الاستثمارالسياحي، وأشار إلى أن الوزارة بصدد عقد مؤتمر للترويج الإعلامي بمدينة أركويت، وأشار إلى أنه سيتم السماح لبعض الشركات الأمركية والأوربية لتصوير المناطق السياحية وعرضها بالخارج وقد أكد والي الولاية أحمد هارون أن هناك فرص من خلال السياحة لخدمة الأغراض العاجلة والقضايا الملحة، وقال في السابق لم نكن نهتم بالسياحة لكن (المودر يفتح خشم البقرة ويمكن تجيب حقها) مشيراً خلال مؤتمر صحفي عقده ضمن الاحتفال باليوم العالمي للسياحة بالأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان خلال يومي 5-6 من الشهر الجاري إلى أن الاحتفال فرصة لعكس التراث السياحي بالولاية، وقال رغم أن تجربتهم حديثة في هذا الإتجاه إلا أنه توقع أن يكون المردود كبيراً وذكر ( نحن ما عندنا بحر لكن عندنا أولاد عمو كتار) وقال إن الولاية تتمتع بتاريخ وتحتاج لإبرازه وحياة برية ثرية، مشيراً إلى أهمية استقطاب السياح للإطلاع عليها وأعلن عن وضع ملف السياحة ضمن قائمة أعلى اهتمامات حكومة الولاية باعتباره يساعد في حل كثير من القضايا.. وأضاف نحن نحتاج إلى سماع (رنة القرش في المريخ) وأشار إلى أن الأمر يحتاج إلى ترتيب وبنية تحتية واستثمار.. وقال إن قضية الإنتاج والانتاجية تحتاج للنظر للأمر بطريقة مختلفة، والبعد عن (طق الحنك) داعياً إلى العمل على حل كل القضايا بالتزامن، وأضاف لن نذهب إلى الأمام ما لم نتخلص من جلد الذات وآثار الماضي وقال وزير الدولة بوزارة السياحة إن التوجه نحو السياحة ضعيف إلا أنه قال في الفترة الأخيرة بدأ الاهتمام بها للنهوض بالاقتصاد، وأضاف أن الاحتفال باليوم العالمي للسياحة يأتي بغرض إشراك كل الولايات، وأضاف أنه تم اختيار ولاية شمال كردفان للاحتفال هذا العام، لتسهم السياحة في نهضة الولاية، وقال إن شعار اليوم العالمي للسياحة (مليار سائح ... مليار فرضة عمل) لم يأت من فراغ، مشيراً إلى أن معظم الدول وضعت السياحة ضمن أولوياتها