هذا هو النّص السادس من رجز الشيخ إسماعيل صاحب الربابة، الذي دونه صاحب الطبقات.. رأينا في النصوص السابقة، كيف أن الشيخ انداح عشقاً، في العديد من النساء، ولم يمنعه من ذلك، أنه الشيخ صاحب السجّادة، وأنّه وريث عرش مملكة تقلي..رأينا كيف أن صاحب الربابة، كان يناغي عديد النساء خارج مؤسسة الزواج.. في النص التالي: يبوح الشيخ في خمرياته باسم معشوقة أخرى هي «مُهرة الضُّنقلاوي».. إنه ينسب تلك «المُهرة» إلى أصلها القبلي، فيعطي بذلك إشارة إلى أن تلك الأخرى، قد كانت ضمن القافلة شايعها بعواطفه الهوجاء، التي لم تكن تستقر عند باب واحد.. كما أن النسبة إلى «الضُّنقلاوي»، لا تشي بمعنى الاتصال «الشرعي»، فهي لم تكن زوجة بأي حال، وإلا لسَقط قناع القبيلة وعبّر الشيخ عن تلك العلاقة بترتيبات أُخرى.. فالعاشق قد يسهو ب «المكتنز»، وإن كان هو بنفسه «صاحب الكنز» فإنّه لا محالة يترفّع عن البوح..! قال الشيخ إسماعيل: «نشِدْ نحتفل فوق أثرها ... نشِق أُم رَتْرَتْ اليّهْتِفْ مَطَرْها ... مُهرة الضُّنقُلاوي المَكْنوز ضَهرها ... يَعاف المُورُود الدّاخل كَجرْها»..! هذه عشيقة أخرى، إلى جانب تهجة وهيبة، هي مُهرة الضُّنقلاوي، ودونها أخريات ربما لم يعلن ود ضيف الله عن حضورهن.. هذه المرأة يشبهها الشيخ الشاعر ب «مُهْرة» دنقلا الأصيلة، أو «الضوّاية»، كما هو وارد في أشعار مغنواتية عصرنا الحالي.. فحتى هذا العهد، لم يزل بعض أهل الغناء يشبهون صيدهم ب «مُهرة دنقلا».. ودنقلا هي حاضرة أرض النوبة السفلى، التي اشتهرت بجمال خيلها، ونسائها أيضاً، فإلى تلك النواحي تُنسب الملكة السمراء نفرتيتي، زوجة اخناتون، فرعون الأسرة الثامنة عشرة، كما هو معروف في تاريخ حضارة وادي النيل.. ولاسم نفرتيتي دلالة ومعنى هو: «السّمحة جَات» أو «الجميلة أتت» بالعربي الفصيح.. من أجل هذه «المُهرة»، يخوض صاحب الربابة غمار الحرب «أم رَتْرَت»، حيث تنهال السهام والحراب كالمطر.. إنّها امرأة تشفي العليل «المُورُود» من أسقامه حين يلج إلى «كجرْها».. أي خِبائِها.. وبالطبع إن ذلك الولوج، لم يكن دخولاً موثقاً بعقد قِران، ولا هو خلوة شرعية بأشراط النص الفقهي.. لو كان كذلك، لما تحسس الشيخ سيفه أصلاً..! إن قرينة «أُم رتْرَتْ» أي الحرب، تدل على أن صاحب الربابة كان على استعداد لأن يدفع تكاليف عشقه من دمه، وأن ذلك العشق قد كان مغامرة خارج الربع، وأنه في مغالبة العشق كان يُبدي إصراراً لا حدود له في تعقُّب تلك الأنثى، فهو القائل: «نشِدْ، نحتفِل فوق أثرها»، أي أنه يسرج خيله، و«يشِق التيه»، في سبيلها.. فأي امرأة هذه التي تكلِّف الشيخ العابد دمه، وتدك سياج الوقار الذي تصنعه حوله، هالة القداسة والسلطة؟.. لا شك أنها كانت امرأة ما، ولكنّها على التحقيق لم تكن الوحيدة..! كما أن الشيخ في ابتلاءاته، لم يكن مُقيّداً بكوابح النص الفقهي، لأن النص، لم يكن عميق الجذور في مجتمع الفونج كما يتوهم البعض، ناهيك عن أن يكون مُطبقاً كقانون تحت حراسة «دولة دينية».. كم كان حريّاً بدعاة الأسلمة، تفكيك مقالة صاحب الربابة، الذي يدخل الخِباء عليلاً ليتعافى هناك.. كيف هو تخريج هذا البوح الطليق عند «النيّل أبو قرون، وبدرية، وعوض الجيد»؟.. فإن هذا المُدنف كما ترون، قد أتى بما هو أكثر من «الشروع في الزنا»..! من المستحيل إذن، القول بأن سلطنة سنار قد كانت مملكة «إسلامية».. هذا غير صحيح البتة.. كانت ممكلة تستدفيء برداء التصوف العفوي، وتستمد أيدلوجيتها وهُداها من مجالس الفقرا والأعراف القبلية، ومن مستويات فهم نخبتها النافذة للنصوص الشحيحة، التي نثرتها البداوة فوق المراعي..!