مصعب الصاوي من الإعلاميين الشباب المتميزين، يجذبك ببرنامجه الجميل وتقديمه الرائع، فما إن تستمع إليه حتى تطمئن بأن جيل الشباب ما زال بخير وعافية، فهو مفخرة حقيقية لجيلنا، وحتى لا توضع إشادتي هذه في غير محلها أو تحتسب من باب (كسير الثلج).. أقول إن هذا الرجل لا توجد بيني وبينه معرفة سابقة سوى مشاهدتي مثل غيري لبرنامجه الشهير (أغنيات من البرنامج)، الذي يبث في قناة النيل الأزرق كل مساء جمعة، وحسب معلوماتي عن الصاوي فإنه بدأ بصاحبة الجلالة الصحافة، ولكن سرعان ما اختطفته الشاشة البلورية، فتألق هذا الإعلامي باقتدار عالي في قناة النيل الأزرق من خلال هذا البرنامج الذي يعد بالنسبة لي شخصياً كأنه وصفة طبية خاصة نحن في بلاد المهجر، إذ تكثر في الغربة الالتهابات النفسية، ودائماً ما تكون درجة حرارة الجسم مرتفعة نتيجة للضغط النفسي والعملي، الذي نتعرض له، من هنا جاء وصفي لهذا البرنامج بالمضاد الحيوي، فهو بمثابة كبسولة كل اسبوع لتخفيف آلام التهابات الغربة النفسية وخفض درجات حرارة أجسامنا، فمصعب الصاوي من خلال هذا البرنامج يعطيك إحساساً بأنه مجدٌ ومجتهدٌ في عمله فهو يتحدث بثقة ودراية تامة، كما أنه أثبت من خلال برنامجه أنه موثق ممتاز، ويعشق التوثيق ويعترف بأهميته، ولكوني على دراية بعلم التوثيق أقول له لقد أجدت هذا العلم، وحملت كل مواصفات الموثق التي تأتي في مقدمتها الأمانة، فقد أثبت مصعب الصاوي أمانته عندما تحدث في إحدى حلقاته عن أغنية الحقيبة، إذ ذكر أن هذا البرنامج من فكرة الاذاعي الشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد محمد صالح وهو من أسسه وكان اسمه (من حقيبة الفن).. وجاء علي شمو من بعده وسماه (حقيبة الفن) فهو بهذه الحقيقة أوصل لمشاهده معلومة مهمة في تاريخ هذا البرنامج الراقي، وفي نفس الوقت عرف بإذاعي وشاعر ودبلوماسي، ربما الكثيرون الذين يشاهدونه لم يكونوا يعلمون به، وهنا تكمن أهمية ودور التوثيق، ومما يحسب له كذلك أنه يذكر أهل المغنى بكل محبة وعشق روحي عالي، وهذا ما دعاني لأتابع برنامجه لأنني محب لمعرفة التاريخ الغنائي في السودان، فالصاوي يجبرك على سماعه ومشاهداته، وأحياناً كثيرة يجعلك تضحك وحدك كالمجنون من خلال تعبيراته الأنيقة واللطيفة في الفنانين والشعراء والملحنين، يتحدث عن شاعر الأغنية وملحنها ومؤديها، ومشاركة الغناء إذا كانت الأغنية مسجلة تسجيلاً مشتركاً من الشباب يتحدث عن جميع هؤلاء في أقل من خمس دقائق، ولكن بأدق التفاصيل حتى في بعض الأحيان يدخل بك في تفاصيل حياتهم مثل مزاجهم وأصدقائهم وهندامهم؛ فعرفت من خلال الصاوي الكثير عن عمنا الجميل كروان الحقيبة بادي محمد الطيب حاج طه، وكرومة، وابو صلاح، وسرور، ومصطفى بطران، والكثير عن الفنانين عبدالكريم الكابلي عندما وصفه بالتشكيلي المعماري، مثل الدكتور هاشم الخليفة يتعامل مع التراث المعماري بحساسية عالية، ولكن يضفي عليه لمساته فعجبني هذا التشبيه الذكي.. قال هذا الحديث الراقي عندما بث أغنية دمعة الشوق بصوت عبدالكريم الكابلي، كما عرفت الكثير عن زيدان إبراهيم مثل انسجام الفرقة الموسيقية معه لحبه الشديد لفرقته والحب الروحي لأعضاء الفرقة لزيدان، مما ينتج عملاً راقياً ومجوداً، كما عرفت أن عتيق هو أول من أدخل شعر الحقيبة وأدخل فيه قوافي إضافية، وأن عتيق سليل لمدرسة الوجدان، وعرفت الكثير عن الفنان كمال ترباس صاحب الصوت الطروب الرائق- كما يصف الصاوي- كما عرفت أن أغاني الحقيبة على الرغم من أنها كتلة واحدة، إلا أنه حصل فيها امتزاج قريب جداً ما بين الإبداعات الشعرية لشعرائها، فمنهم من تلقى تعليماً دينياً فقط، ومنهم من تلقى تعليماً أهلياً، ومنهم الأفندية الذين درسوا في المدارس المدنية ككلية غردون آنذاك، فمصعب الصاوي بهذا البرنامج يعتبر مدرسة فنية عالية المستوى، ومدرسة توثيقية تعمل بكل جد واجتهاد للحفاظ على التراث الغنائي والشعري للسودان، فلك مني أجزل الشكر والتقدير من بلاد المهجر المملكة العربية السعودية - الرياض