«أعيذُها نظراتٍ منك صادقةً .. أن تحسب الشَّحم فيمن شحمه وَرَمُ .. وما انتفاع أخي الدنيا بناظرِهِ إذا استوتْ عنده الأنوار والظُلَمُ» .. أبو الطيب المتنبي ..! الداعية السعودي الشيخ الدكتور عائض القرني واجه - قبل فترة - محنة إعلامية كبرى بعد صدور حكم قضائي لصالح كاتبة سعودية تدعى سلوى العضيدان يقضي بتغريمه مبلغاً مالياً باهظاً كتعويض على حقوق ملكيتها الفكرية لكتاب أثبتت التحقيقات - على الأقل - سرقة الشيخ له وفقاً لقرار صدر من لجنة النظر في مخالفات قانون حماية حقوق المؤلف بوزارة الثقافة والإعلام السعودية ..! الحكم لصالح الكاتبة في تلك القضية شجع كتاباً آخرين، فاتهم كاتب آخر الشيخ بسرقة مؤلفات والده من خلال برنامج تلفزيوني دونما استئذان أو ذكر للمصدر، وأعلن شاعر مصري عن عزمه على مقاضاة القرني بسبب سرقة كتابه «شعراء قتلهم شعرهم» الصادر عن مكتبة مدبولي في التسعينات، مع تغيير طفيف بالعنوان.. ولست أدري ماذا فعل الله بشروعه في تلك المقاضاة ..! الشيخ القرني دافع عن نفسه بأن أهل العلم والمعرفة والأدب استفادوا من بعضهم البعض دونما أي ذكر لتلك المراجع، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية الذي نقل عشرات الصفحات في كتبه لمؤلفين آخرين دون أن يذكر بعض المصادر.. فالتأليف - بحسب رأيه - بنات أفكار أو نقل بالتنصيص، أو اشتراك في المعنى ..! لكن الطريف حقاً هو أن هنالك - في الجانب الآخر من العالم - رأياً آخر يشد من أزر الشيخ مفاده أن هذا الضرب من السلوك ليس سطواً أو سرقة، بل إعادة تفكيك وبناء لا يقدر عليها إلا مبدع حقيقي، من زاوية أن إعادة البناء بنفس خامات الصرح القديم أصعب من تشييد الصروح الجديدة! .. ومن هؤلاء الكاتب الأسباني برناردو أتشاغا صاحب رواية «أهالي أوبابا» الذي ضمنها فصلاً كاملاً بعنوان «منهج في الانتحال» لتعليم القراء فنون السرقة الأدبية التي يراها ه المؤلف - علماً قائماً بذاته وله مبادئ وأصول ..! أفضل طريقة لانتحال أي عمل - بحسب أتشاغا - هي أن تسرق في وضح النهار.. أن تُضمِّن نصك تحيةً للمعلم الذي تنتحل منه.. أو أن تختار مقطعاً من نصه ليتصدر نصك.. عندها سيتعامل الجميع معك كتلميذ وفي معجب بأستاذه وليس لصا منتحلاً ..! كثيرون قبل الشيخ القرني واجهوا ذات الدعاوى، من «المتنبي» الشاعر العظيم الذي اتهم بإعادة صياغة أفكار الآخرين، إلى «طه حسين» الذي اتهمه البعض بتضمين كتابات أحد المستشرقين في كتابه «الشعر الجاهلي» .. إلى رائد الواقعية السحرية في الأدب العالمي «غابرييل غارسيا ماركيز» الذي اتهم بسرقة إحدى رواياته من كاتب ياباني.. ولكن عشاق إنتاجهم الغزير ظلوا ينظرون إلى النصف المملوء من كؤوسهم ..! أما الشيخ عائض القرني صاحب كتاب «لا تحزن» - الذي ملأ الدنيا وشغل الناس- فنقول له أسوة ببعض ما جاء في كتابه: «لا تحزن» ..!