قضيت أجمل أيام طفولتي بالمقرن حيث كنّا نسكن هناك، وكل ذكرياتي عن ملتقى النيلين جميلة سوى الأرق الذي كان يصيبنا. غابة المقرن كانت مصدر فطورنا، إذ أننا كنّا نصحو من الصباح، وتنطلق شلتنا للغابة، ولا نكترث لأي شيء طالما كنّا قادرين على ملء بطوننا بالمسكيت.. كانت الغابة مرتع صبانا وملعبنا الجميل. إلا أنني سأحكي لكم عن ليالي المقرن في تلك الآونة، وأتمنى أن لا يكون الحال كما هو حتى الآن. فمع غروب الشمس نفكر في خطة تنقذنا من لسعات البعوض، غير الحاملة للملاريا، إذ أننا كنّا تلسع بالبعض حتى لا يبقى في أجسادنا شبر واحد لم يلدغ، ولكنني لم أذكر أنني أصبت بالملاريا في تلك الفترة. محاربة البعوض تجب أن تكون من أولويات الدولة، وأكثر فاعلية من البرامج الموضوعة حالياً. فإذا علمنا أن إصابة فرد واحد بالملاريا، هذا يعني أنه لن يكون قادرًا على العمل لمدة خمسة أيام، ويصبح الفرد غير منتج، بالإضافة الى تكاليف علاج الملاريا، والعبء الجديد على الأسرة، جيبوا ليه عصير وفواكه كتيرة، وما تنسى تضرب دجاج ولحوم،،) ناس البيت ديل جادعنك كدة ليه( مصر الشقيقة قضت على الملاريا في التسعينيات، وامتدت مكافحتهم الى شمال السودان ماراً بلهيب عبري، إذ كان لديهم مشروع يسمى (مشروع مكافحة الجامبيا)، ولا أعتقد أنهم كانوا يفعلون ذلك حباً لنا، بل فكروا في أن البعوض قد يتكاثر هناك ويتسرب إليهم. وقفت على المشاريع المطروحة حالياً، لكنني أعتقد أنه يجب أن تكون هنالك طرق أكثر من فاعلية، لأننا مازلنا نصاب بالملاريا سواء كانت ملاريا خفيفة على الطائر أو ملاريا خبيثة، أو ملاريا نكسة،،، وسلامي لجكسا..