الإنسان اجتماعي بطبعه ومن غير المألوف أن تجد إنساناً سوياً يعيش بمفرده منعزلاً عن الناس أو بمعزل عن أفراد الأسرة والمجتمع، والإنسان بحكم غريزته الاجتماعية المتأصلة فيه يحب بل يعشق العيش في جماعة، وهذه الجماعة تعني الأسرة بطبيعة الحال ومجموعة المعارف والأصدقاء والزملاء والجيران أو رفقاء الطريق أو السفر.. وأيضاً من خلال العلاقات الإنسانية والاجتماعية والرياضية والاقتصادية والمعاملات اليومية.. ولما كان الفرد والأسرة يشكلان معاً الخلية الأولى للمجتمع، فإن استقرار المجتمع وتطوره واستمراره وأمنه وأمانه يعتمد في المقام الأول على الفرد والأسرة ثم الجماعة، وهناك العديد من المؤسسات والهيئات والأجهزة والتنظيمات تقوم بهذه الأدوار.. والأدوار التي نعينها تربوية وتعليمية ودينية وأمنية وإعلامية وقانونية واجتماعية وشبابية ورياضية وثقافية وصحية، بالإضافة إلى العديد من الجهات ذات الأهداف المختلفة والكل يتفق في أن حماية أفراد المجتمع والأسر والدولة وبسط هيبة الدولة والقانون والقيم الدينية والأخلاقية والعادات والتقاليد النبيلة هي واجب الجميع بدون استثناء، والحماية هذه لها أكثر من وسيلة لتحقيقها وغرسها وتفعيلها وتنشيطها. واليوم سأتناول إحدى أهم معاول الهدم وأخطرها على المجتمع، وإحدى المهددات والمخاطر التي تهتز بسببها القيم وسمعة الآخرين من الأبرياء وتضار بها الأسر والمجتمعات والشعوب والدول وأجهزتها وسمعتها، ألا وهي «الثرثرة» أو «الرغي» أو «كثرة الكلام» أو بمعنى أوضح وأشمل داء الثرثرة أو الرغي، وهي عادة ذمبمة تتمثل في كثرة الكلام.. المباح منه وغير المباح.. فئة من البشر تهوى الكلام في كل مكان وكل زمان.. يمارسون هواية الكلام.. يتحدثون باستمرار فهم أبطال كل لقاء أو اجتماع وهم نجوم كل مجتمع لا همَّ لهم إلا إشباع هواية «الأنا» والثرثرة في موضوعات شتى فهم يعلمون كل شيء ومطلعون على كل شيء وملمون بكل الخفايا والتفاصيل والأسرار.. وهم على دراية بكل خفي ومستور، يدعون كل ذلك، ويدعون المعرفة وهم أبعد الناس عنها.. وهم للأسف الشديد موجودون في كل مكان وكل مجتمع، وتسمعهم في أي مناسبة وأي لقاء لا يهمهم طبيعة المناسبة ولا مكانها ولازمانها، المهم إشباع هوايتهم وثرثرتهم، فهم حسب اعتقادهم الأعلى صوتاً في كل مناسبة ويتحدثون «بسخاء» عن أنفسهم وعن غيرهم بما في ذلك أسرار المهنة والوظيفة وأسرار المعنيين بهذه المهنة أو تلك الوظيفة، الأسرار الخاصة بالعمل وأماكن عملهم وطبيعة العمل وكما يقال «ما في القلب على اللسان» إن صح التعبير كل الأسرار العامة والخاصة، لا حرمة لسر، وهذا النوع من البشر يشكل خطورة كبرى على الأفراد والأسر والمجتمعات، وحتى الدول بحكم طبيعة ما يتم تناوله أو التحدث عنه، وهم بهذه التحديات أخطر أنواع البشر، فهم حينما لا يجدون ما يقولون يختلقون الأكاذيب والشائعات وتأليف المعلومات والدعايات، وهم بهذه الصفات أكثر الناس نقلاً للشائعات وترويج الروايات من منطلق إحساس داخلي بالنقص وعدم التكيف مع النفس والمجتمع.. ولحسن الحظ يمكن كشفهم بسهولة ولعلك عزيزي القارئ تكون قد صادفت أحد هؤلاء أن لم نقل كثيراً منهم.. من نمور الورق ونسور الشائعات والثرثرة ونجوم الروايات والأكاذيب والإدعاءات ووجهاء الثرثرة، الذين يعرضون أسرارهم وأسرار وظائفهم ومجتمعاتهم وأوكانهم للخطر.. ونؤكد للجميع أن المعلومة مهما كانت متواضعة فهي تشكل أهمية قصوى ولا يجب تسريبها إلا لمتطلبات العمل ومتطلبات الوفاء ومتطلبات المصلحة العامة والخاصة لأن تسريبها- مهما كانت متواضعة- قد يشكل خطراً أو ضرراً على الفرد والأسرة والمجتمع والشركة والمؤسسة والمصنع والدولة.. لذا علينا بحفظ الأسرار والبعد عن هذه العادات السيئة والبعد عن مثل هؤلاء، وليس هناك أي مبرر لتتحدث عن أسرارك وأسرار أسرتك وأهلك ووظيفتك وطبيعة عملك أو أعمالك أو أعمال غيرك عليك حفظ السر لأنه أمانة.. أترك الوظيفة وأسرارها وأعمالك وخططها وترتيباتها جانباً داخل الوزارة والهيئة أو الشركة أو المؤسسة أو المتجر أو المصنع أو الصحيفة أو النادي أو حتى المنزل، لأن هناك أناس يتنصتون وألسنة تحكي وآذان تسمع وآخرون يحللون ويضيفون، وهكذا يستمر المسلسل.. ونقول لا باس من قضاء وقت طيب وممتع مع الآخرين بعيداً عن الأسرار.. ولا ضير من تجاذب الأحاديث في موضوعات عامة، واحرص دائماً على الإقلال من الكلام واختيار الكلمة المناسبة والوقت المناسب والزمن المناسب، وأيضاً الشخص المناسب واحرص في كل الأوقات على سرية المعلومات وأمن وسلامة المستندات والوثائق وأسرار المهنة وغيرها وأسرار من أطمأنوا إليك وأعطوك جزءاً منها، ولا تلقي في سلة المهملات أية رسائل أو مذكرات بدون تمزيقها، لأن ذلك هو أفضل وسيلة لتأمين الأسرار، علماً بأن سلة المهملات هذه قد تكون مصدراً من مصادر المعلومات وتسريبها وانتشارها، علينا جميعاً أن نحفظ أسرارنا وأسرار أهلنا وأسرنا وأصدقائنا وجيراننا ومعارفنا ووظائفنا، لأنها الضمان الوحيد لمواجهة التحديات والمخاطر..