أجاز البرلمان مشروع الموازنة لعام 2016م في مرحلة العرض الأخير بالأغلبية بعد تعديلات طفيفة لا تصل إلى 1%أبرزها انتزاع مبلغ 160 مليون جنيه من احتياطي التنمية لصالح موازنة البرلمان، بنسبة إيرادات عامة مقدارها (67.5) مليار جنيه بنسبة زيادة بلغت 10%عن العام الماضي والمصروفات المتوقعة (66.9) مليار، لم تكن الميزانية المجازة مختلفة من سابقاتها بإعطاء الأمن 17.6 مليار فيما لم تجد الخدمات الأساسية ما تستحقه من الدعم مثل الصحة التي خصص لها 500 مليار جنيه، ولكن الحقيقة الغائبة كان يمكن أن تكون هذه الميزانية مختلفة تماماً وتكون غير مسبوقة إذا وضعت وزارة المالية أحد أهم انتصاراتها منذ مجيء الإنقاذ في الولاية على المال العام، وأقصد بذلك تطبيق الأورنيك الإلكتروني في التحصيل والذي بشرت به وزارة المالية بتحقيق زيادة في الإيرادات بنسبة 30% - 40% والحقيقة الغائبة لماذا لم تتضمن الموازنة هذه الإيرادات ولم تشر إليها الموازنة من قريب أو بعيد، وهذا ربما كان يغطي العجز الضئيل بالإضافة لتحقيق فائض، ولذلك كادت تكون ميزانية غير مسبوقة، حيث تسجل فائضاً لم يحدث منذ مجئ الإنقاذ، ولا تحتاج لسد العجز عن طريق الإصدارات والصكوك، بالإضافة لتراجع دعم السلع الأساسية والمحروقات من 11.9 مليار إلى 9.2 مليار في الموازنة الجديدة مما وفر لخزينة الحكومة مبلغ 2.7 مليار جنيه، وذلك لتراجع أسعار النفط عالمياً ووصول سعر البرميل إلى 37 دولاراً وربما لأقل من ذلك، هذه الحقائق كانت أيضاً كفيلة بزيادة الدعم الاجتماعي للشرائح الضعيفة وذوي الحاجات الخاصة والطلاب وبقية الخدمات دون أن تؤثر على نسبة الأمن في الموازنة مما يجعلها موازنة متوازنة لجميع المتطلبات دون عجز، وتسعى الموازنة لتقليل العجز لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتخفيض معدلات التضخم والمحافظة على استقرار سعر الصرف. حقيقة العجز لم يكن هنالك عجز ولكن الحقيقة لا يوجد استقرار في سعر الصرف. وربما يكون الذين وصفهم الوزير ب«معرقلي» التحصيل الإلكتروني، لم يشأ تسميتهم وراء عدم إظهار الإيرادات الغائبة بالتجنيب أو «العضة»، ومن أهداف موازنة هذا العام كما ذكر الوزير، لا يكفي ضبط الإيرادات، والاستقرار في ترشيد الإنفاق الحكومي من خلال الاتفاق الجاري والصرف على مشروعات التنمية القومية الإستراتيجية ذات الأولوية القصوى، وتطوير الإدارة المالية للموارد من خلال زيادة الجهد المالي والضريبي للدولة على المستويين الاتحادي والمحلي وتوسيع المظلة، والحقائق الغائبة ضبط الإيرادات وما زالت وزارة المالية تشتكي من تحصيل غير قانوني! ومن تحصيل خارج الأورنيك الإلكتروني! الحقيقية ليس ضبط الإيرادات، بل «ضبط» المتلاعبين والمفسدين وتقديمهم للمحاكمة، والحقيقة الأخرى هل هنالك إحصائية لمعرفة كم بلغ ترشيد الإنفاق الحكومي، والحقيقة أيضاً هل تم قياس تطوير الإدارة المالية وما هي الخطط التي تم وضعها لذلك. الحقائق الغائبة في موضوع القمح والدقيق، أن المعركة التي صورتها بعض الأقلام بين وزير المالية ورجل الأعمال المعروف أسامة داؤود، فالحقيقة ليس هنالك موضوعاً شخصياً بين الوزير ورجل الأعمال، وإنما هنالك شركات مؤهلة وليس كما وصفت بالاحتكار وهذا نظام متبع. جهات كثيرة تعلن عن تأهيل شركات لتكون في القائمة القصيرة وهي التي يحق لها الدخول في العطاءات، والمعروف دائماً بأن السعر الأقل ليس هو دائماً الفائز بالعطاء، هنالك متطلبات وشروط أخرى بالإضافة إلى السعر تجعل صاحب العطاء الفائز يتمكن من تنفيذ العطاء، لذلك تلجأ الشركات لتأهيل الشركات أولاً وأيضاً دائماً ما تجد من الشروط «المدير غير مقيد بقبول أعلى أو أقل عطاء آخر»، لكن هنالك أهم شرط لصاحب العطاء الفائز إمكانية التنفيذ في نهاية المطاف، فالقمح والدقيق يحتاج إلى أن تكون الشركة، بالإضافة إلى السعر المناسب تمتلك مواعين النقل من بورتسودان للخرطوم، وأيضاً الخبرة في التخليص المباشر من الميناء، وبوادر الأزمة الأخيرة في الدقيق عزاها بعض المسؤولين لإشكالية في النقل، من هنا يتضح أن الشركات الثلاث هي مؤهلة وليست محتكرة إذ تتوفر فيها الشروط المهمة بإمكانية التنفيذ، والجميع يعلم في بداية الإنقاذ حيث اضطرت الحكومة إلى الاستيلاء على الشاحنات لترحيل الدقيق والقمح والسماد بما يعرف «بالاستيلاء»، فالشركة الفائزة بالعطاء خارج الشركات المؤهلة قد احتفلت بالعطاء في إعلان مدفوع القيمة بأنها صاحبة السعر الأقل ولكن ليست العبرة في الأقل سعراً، بل في التنفيذ، فالشركات الأخرى لها الخبرة زائداً مواعين النقل من عربات سكة حديد لنقل الغلال، فالحقيقة الغائبة ليس هنالك عداء بين الوزير ورجال الأعمال، والعالم الآن يوظف رجال الأعمال ويقدم لهم التسهيلات لخدمة اقتصاد البلاد، لذلك لا بد من النظر لموضوع القمح والدقيق بشروط التأهيل وأن يعطى الأمر لمن ينفذه، لأنه لا تستفيد الحكومة من جزاءات على الشركة التي لا تنفذ، المطلوب وصول القمح أو الدقيق في الوقت المناسب، دون أن نسمع عراقيل في النقل المتوفر، حيث يجب أن يكون النقل هو أهم شرط من شروط ترسية العطاء. وأيضاً أظن وإن بعض الظن إثم، حين تزامن موضوع القمح والدقيق في وقت طغى على أهم إنجازات وزارة المالية في الولاية على المال العام مما يترك ظلالاً من الشك بأن الجهات التي لم يشأ وزير المالية ذكرها وراء هذا الموضوع، حيث يعلم الجميع بأن الشركات الثلاث التي كانت تستورد القمح والدقيق ليست محتكرة كما صورتها بعض الأقلام، بل كانت شركات مؤهلة ومن يريد المنافسة يجب أن يكون مؤهلاً أولاً بما في ذلك شرط النقل لوصول القمح والدقيق في الوقت المناسب، حيث لا يكفي وصول القمح بورتسودان. ولقد طالبت لجنة الحريات والحقوق الأساسية بالحوار الوطني بإلغاء قوانين الاحتكار الاقتصادي، وأعتقد أن موضوع القمح لا يوجد به احتكار اقتصادي وإنما هنالك تأهيل عدد محدد من الشركات لاستيراد القمح والدقيق. والله من وراء القصد،،،