قبل عام مضى، عبّر كثير من العرب والمسلمين عن استهجانهم لحادثة إحراق داعش للطيار الاردني..عبروا عن مشاعرهم الإنسانية، التي تأذت من هول المشهد، وأكد بعضهم، من باب الشفقة على مستقبل الإسلام، أن الشريعة براء ممّا يفعل داعش.. والحقيقة التي لا جدال فيها، أن فتاوى داعش، لم تهبط على المنطقة من كوكب آخر، وإنما هي تجسيد لإيمان الغالبية العظمي، بما هو منصوص عليه في كتب التراث الإسلامي، إنّ داعش لم يفعل أكثر من إخراج تلك النصوص وتطبيقها. إن داعش لم يفعل أكثر من تجسيده، لذلك الحُلُم الذي تتطلع إليه الغالبية العظمي فى بلاد المسلمين، والدليل على ذلك، أن ائمة المساجد والمُصلين، من شيعة أو سنّة، لم يخرجوا في أي يوم من الأيام، للتنديد بالحادثة، ما يعني أنّ حادثة الإحراق قد وقعت، في سياق المأمول تطبيقه، لا في دولة العراق والشّام وحدها، بل في كل أرجاء العالم الإسلامي، على أقل تقدير.. ومع ذلك ارتفعت بعض الأصوات بالمغالاة في دحض نسبة الدّواعش للشريعة، مشيرين الى أن لديهم نسخة أخرى منها، بيد أنهم لم يُظهِروا تلك النسخة بعد..في حين أنّ داعش، يُنفِّذ أحكامه مستنداً على الفتاوى المنقولة، من بطون الكتب التى يعتنقها هؤلاء وأولئك..! وقد جاء حرق الطيّار الكساسبة حيّاً، كما لو أنّه أول عمل مباشر يقوم به داعش ضد النظام العربي الحالي... وشاءت الأقدار أن تكون المملكة الاردنية الهاشمية، في الواجهة، عندما احتسب داعش نفسه، ممثلاً ل "دار الإيمان"، وجعل من عترة الهاشميين "داراً للكفر"، على الرغم ممّا يحمله العرش الهاشمي في الأردن، من رمزية عميقة المعاني لدى كافة طوائف المسلمين..! لقد أبدى الكثير من أهل العروبة والإسلام، أسفاً عميقاً من رؤيتهم لتلك الفظاعة، لا أكثر ..! لأنّهم يا حرام ضدّ تصوير مثل تلك المشاهد البشعة، التي تؤذي المشاعر الإنسانية الرقيقة..! ولم تمضِ أيّام، بل سويعات، على بث شريط الاحتراق، حتى انشغلت بلداننا العربية والإسلامية بحرائق أخرى، واتجهت المملكة الأُردنية الهاشمية تطلب الثأر، عبر القصف الجوي المكثّف على داعش.. وكذلك تفعل الدولة المصرية، من أجل تطهير سيناء من الإرهابيين. الحقيقة التي لا جدال فيها هي، أن ما يحدث في كلّ المناحي التي تدعشنت، هو مواجهة عسكرية لا فكرية بين الجيوش الرسمية، والجّماعات السّلفية..هذا هو المُتاح أمام دول مثل الأردن، و مصر، أو أية دولة عربية أخرى.. فجميع أهل المنطقة، من شعوب وحكومات، لا يستطيعون مناقشة أصل القضية بتفكيك "التراث" الذي ينتسبون إليه..! ذلك التراث الذي يتكفّل داعش بتطبيقه، بينما يحرسه الأزهر الشريف، ومن ناحية آُخرى، تُعضِّده الفتاوى المُنشآت، من داخل القصور.....! إنّ للمملكة الهاشمية حقها في الثأر لطيّارها الباسل، عبر القصف الجوي على حوزات داعش، وللدولة المصرية حقّها في تحرير سيناء من المارقين ..أما دون ذلك، فهو خطوط حمراء، و قواسم مشتركة بين داعش والنظام العربي الحالي..! ومن شاء منكم أن يستقيم، عليه السؤال والاستقصاء حول منابع الدّعشنة.. من رَعاها ومن موّلَها التمويل المعروف ومن "يواليها" الآن، بالعافية، والمعافاة، في الدين والدنيا والآخرة..؟! هل هو الغرب، الذي تتطلع جماعات الاستنارة الى دوره الفعّال لمكافحة الدّعشنة..؟! إن جماعات الاستنارة ياحرام هامشيون، و ليس لهم خطر أو خاطر عند شعوبهم، ولا عند حكوماتهم، ولا هم قادرون على تقديم البديل، لهذا الهوس الديني..! والأمر ببساطة هو، أن الدّعشنة ملأت ذلك الفراغ العريض، ولسوف تبقى طويلاً ، لأنها تستقىّ من "كنوزنا"..! إذن احتفظوا بدموعكم الغالية.. فإن الكساسبة قد يموتون بموجب تصاحيف تراثكم العتيق..!