وأنا أقلب صفحات إحدى المجلات القديمة، إستوقفني عمود للرائع دوماً بروفيسور عبداللطيف البوني بعنوان الرمتالي وألفاظ أخرى ... استعرض فيه البروف إمكاناته العالية في تذويق المقال بمفردات وألفاظ من اللغة العربية الرصينة، ولغة قاع المدينة كما تسمى والتي تعرف بلغة الراندوك وجاءت كلماته كما تعودناها بسيطة وجزلة في وقت واحد، وبأسلوب يتميز به البروف عمن سواه، ولغة الراندوك كما يطلق عليها هي لغة تترادف كلماتها مع الكلمات المعروفة لغوياً بمعنى إنها لغة (موازية) للغة العربية، ولكنها تخص فئة معينة ومحددة هي فئة الشباب من الجنسين وهي منتشرة في أوساط الكثير من الفئات الأخرى، بل أنها أصبحت تتسلل إلى مجتمعات الصفوة من العلماء والمفكرين والسياسيين بمختلف تخصصاتهم، وإلا لما كان البرفيسور عبد اللطيف البوني يتناولها في إحدى مقالاته، وهو أستاذ جامعي مرموق وقائد من قادة الفكر والثقافة والأدب في بلادي، فقد جذبته هذه اللغة لدرجة أنه استبعد إستطاعة أب شخص منع ورود كلمات ومصطلحات جديدة في لغة من اللغات، مؤكداً أن ورود مثل هذه الكلمات يدل على حيوية اللغة وقدرتها على الابتداع، وقد يتفق الكثيرون مع البروف على هذه الجزئية، خاصة وأن اللغة العربية تعتبر من أكثر اللغات إستيعاباً لمثل هذا النوع من الإضافات نسبة لحيويتها ودينماكيتها العالية، التي تميزها على سائر اللغات، ولكن هناك أسئلة تفرض نفسها بقوة، ماهو الهدف الرئيسي من إطلاق هكذا ألفاظ ؟ وماهى الجهة أو المجموعة التي تقوم بصياغة وإبتداع الكلمات الجديدة؟ وماهو مصدر تلك الكلمات؟ ولماذا نجد أن معظم الألفاظ والكلمات الجديدة مبهمة المعاني ومخلة بالأدب في ذات الوقت، مثل كلمة (جلك) أو (جلكين) والتي تطلق مجازاً على الأب أو الوالد ... هل هي مؤامرة على اللغة أم على أسس وسلوكيات التربية القويمة ؟ نعم قد نتفق مع البروف بأنه لا أحد يستطيع الوقوف أمام هذا التطور اللغوي سلباً كان أم إيجابياً، ولكن تظل التقاليد السودانية الأصيلة وأسس التنشئة والتربية السليمة هي الأساس التي يجب أن تحكم وتسير المجتمع، فأي نشاز أو خروج على هذه الموروثات يصبح على الفور تشككاً على الفور في منبع ومرجعية وأهداف هذه الكلمات والألفاظ (وأنا مابفسر وأنت ماتقصر).