أحد أصدقائي الامريكان، من أصول سودانية، عبَّر عن خشيته من احتمالية فوز ترامب، بزعامة أمريكا، قائلاً إن (ترامب زي التراب)..! ترامب حتى هذه اللحظة، هو الأوفر حظاً في نيل ثقة الجمهوريين كمرشح للرئاسة.. وهو أعلى المرشحين نفوذاً في وسائل الإعلام.. فإذا ما نال تلك الثقة حزبه، أو خسر المعركة نحو البيت الأبيض، في منتصف الطريق، فإن ما أشعله من حرائق، لن ينطفئ بسهولة، ولن تكون القارات البعيدة عن أمريكا وشعوب العالم الأخرى، بمنجاة من ألسنة النيران التي أشعلها.. الرجل في معركته الانتخابية للفوز برئاسة أكبر بلد في العالم، يعتمد كل المحظور في ثقافة العالم المتمدن.. فهو لا يتورع في استخدام ما تتحاشاه الحضارة، من مفاهيم سادت ثم بادت.. أنه يتخذ من الشعوبية سبيلاً لكسب ود الناخبين، ولا يتوارى، و لا يداري، بل يتوعّد بتغيير وجه أمريكا التي بُنيت بسواعد المهجرين والباحثين عن الحرية والفرص الجديدة.. بعد ظهور المرشح ترامب- سواء وصل الى البيت الأبيض أو لم يصل- فإن أمريكا قد تغيرت، وأصبحت غير تلك التي كانت أرضاً للفرص الجديدة.. أمريكا بعد ظهور ترامب عادت قريبة من الفصل العنصري، ولم تعد حضن اللائذين بسكّة الأمان، ولا هي الدنيا الجديدة، التي تتحقق فيها الأحلام.. يقوم برنامج ترامب، على قلب موازين التجربة الأمريكية.. فهو يريد عزل أمريكا عن العالم.. يريد بناء جدر بينها والشعوب الأخرى.. يعلن ترامب أن وجهته هي مطاردة (الأغراب) من لاجئين عرب ومسلمين مكسيكيين وصينيين، وغيرهم.. يريد أن تكون أمريكا بيضاء، مع بعض خليط لبعض الملونين.. وحتى هذه، لا يخفي المرشح زهده في الحصول على أصواتهم.. لا يرى ترامب ضرورة ،لأن تكون أمريكا بوتقة للتعايش وصهر الإنسان في الإنسان.. لا يعترف بالعولمة في مداها النهائي الذي يلغي كل الفوارق العرقية والطبقية والثقافية والدينية.. ترامب هو الوجه الآخر، للداعشيين، الذين يقدمون للآخر المختلف، وصفة الموت العاجل..هو صورة لما عليه العالم الآن.. ترامب، والذي يعني اسمه في الانجليزية (منصور، أومنتصر)، هو لسان لعصرنا هذا، لكنه- قطعاً- لم يكن من البادئ لخطاب الكراهية.. لم يكن هو من استن حشد الجماهير بالشتائم وبالابتذال.. لم يكن هو أول من أدخل في لغة السياسة، الفاظاً مثل الجرو وكلاب الخنازير، وبعض الحيوانات المستحقرة...لم يكن أول من بدأ اطلاق النكات البذيئة، ولا أول من شتم أعداءه تصريحاً وبلغة الإيحاء، وبكل ما أوتي من قوة اللّكمات.. في أمريكا، حيث حياة الفردانية يستطيع هذا المليونير، أن ينفق دون خوف مما سيكون عليه الحال غدا.. يسعى ترامب الى حكم الولاياتالمتحدة بذهنية الوجبات السريعة، وبفوهة مسدس راعي البقر.. يعيب البعض عليه صغر يديه، بينما يقول هو عن ذلك ملمحاً، بأن بقية أعضاء جسده كبيرة..! ترامب يعبّر عن هوجة، أو حالة جديدة تجتاح العالم، قد كانت هي البديل لما بعد الاشتراكية، وما بعد الدِّين بمعانيه السامية.. تلك الحالة تقوم التشرذم، وضآلة الحس الإنساني، ونزعة الانتقام.. العالم يفور بتفجيرات الارهابيين التي تحصد البسطاء، وبالأمس أحرق داعش العراقيين بأسلحة كيميائية.. منظمات الحقوق المدنية، منظمات حقوق الإنسان، تنشغل ببيانات الإدانة، بينما تمارس الحكومات كل أنواع العنف ضد شعوبها تحت اسم الشرعية.. هذه الظواهر التي تعم العالم.. حالة من الابتذال والبذخ والتشفي، حالة من الظلم والاعتداء واحتقار الآخر، بالحيل التافهة والألفاظ العاجزة.. العالم يتغير بصورة جنونية، وقد كانت الدنيا الجديدة هي ذاك الشعب الخليط الذي يتألف من الهنود، والسود واليهود والآسيويين والاوربيين، والمنبوذين وعشاق الحرية..اليوم تطل على أمريكا غاشية حروب العقيدة والكراهية العنصرية، التي تلقي بظلالها على أرجاء الدنيا.. الخطير في المسألة، أن هذا الرجل، إذا وصل الى البيت الأبيض، فسيؤلف خطته من هذا المعين...!