تقول الأسطورة: إنه لما كثرت شكاوى الناس، كلٌ يبكي حاله، قالوا لهم كل واحد يضع مشكلته ويقف، ثم طلبوا من كل واحد يختار المشكلة التي تعجبه من الكوم، فكان كل واحد يقلب المشاكل ثم يعود ليأخذ مشكلته نفسها. جلنا ينظر للحياة من الجانب السوداوي، ولا يرى فيها إلا التعب والإرهاق، لذا نتعب في حياتنا التي لم نخلق لنرتاح فيها، ولكننا ننسى الأمر. الحقيقة أننا أسعد ممن سبقونا في كل الأزمان، ولقد وجدنا من سبل الراحة، ونعيم الدنيا ما لم يتسنَ لهم. ولو عدنا للتأريخ وقارنا حياتنا بحياتهم، لوجدنا العجب العجاب، وتعالوا نسافر عبر مركبة الزمن ونقارن. *الإمامان البخاري ومسلم اللذان جابا البلدان والأمصار، يجمعان الأحاديث ويحققان المتون، كانت وسيلة السفر وقتها الدواب فقط لا غير، وتخيل كم كان الزمن المستهلك للوصول لبغداد أو المدينة أو مكة، شهور وأيام نقطعها الآن في ساعات، بالله عليكم تخيلوا لوكان للبخاري (همر) ولمسلم (افنيتي) كم كانوا سيرتاحون ويأتون بالأحاديث الصحيحة في أيام قلائل. * قارون صاحب المال الذي تعب في صنع الخزائن الكبيرة، وتعب معه العصبة أولو القوة، الذين يحملون المفاتيح الضخمة، لو أنه كان قد أتيح له وضع أمواله في بنك، واستلم بطاقة الصراف الآلي كم كان سيرتاح ويريح الرجال المرهقين. هرقل ملك الروم وكسرى ملك الفرس، لو قارنا فرشنا الوثير بفروش ذلك الزمان، لوجدنا أننا نعيش على مخدات الطرب، ووثير الفرش. النجاشي ملك الحبشة وعظيمها، كم كان يتعب ويتعب غلمانه الذين يحملون (هبابات ريش النعام) ويقفون الساعات الطوال، من أجل أن يتنسم الملك هواء بارداً، فبالله عليكم لو وجد الرجل مكيفات الاسبلت والتي تعمل بالريموت كنترول، كم كان سيسعد ويوفر الجهد والوقت. كبار أثرياء مكةوالمدينة، كانوا يضعون الماء في قوارير من الفخار، تحت الأشجار يرشونها من الخارج ليشربوا ماء بارداً آخر المطاف، لا تصل متعة البرودة فيه لما نجده اليوم في (ثلاجة) أو (كولر)، تبرده في دقائق معدودة، وتبارينا في تبريد العصائر، وصنع الآيسكريم الذي لم يتذوقه أثرياء ذلك الزمان، وعاشوا حياتهم سعيدة هنية. الفارابي وابن سينا وابن رشد، وعلماؤنا ابن النفيس، والإدريسي، وجابر بن حيان، وابن الهيثم، وابن خلدون كلهم قضوا الساعات الطوال، واستهلكوا الجهد الجهيد ليكتبوا كتبهم، وكان الكتاب الواحد يأخذ السنوات لكتابته، ولم يمنعهم ذلك من التأليف، ونحن الآن يمكننا كتابة الكتاب بعد تأليفه وطباعته خلال ساعات. قدماؤنا كانوا ينتظرون المواسم لتلبية اشتهاء مانجو أو موز أو عنب، والآن يمكننا بعد اختراع الثلاجات، وأدوات وطرق التخزين أن نأكل الفاكهة في أي زمان ومكان. أنواع الملابس التي نلبسها الآن تنسج في ساعات قلائل، وتصدر في أيام، ونشتريها بأثمان في متناول أغلبنا. من كل ما ذكرت يتضح لنا أننا نعيش حياة أكثر راحة، ممن سبقونا ملوكاً وعظماء وأثرياء، ولكننا لا نحمد الله. أملي أن ينظر كل إنسان إلى من هو دونه، لا من هو أعلى وأغنى.. وكل الرجاء أن نحمد الله حمداً كثيراً على الصحة والعافية، وعلى نعمة السمع والبصر.. لنستفيد من جواب الشرط (لئن شكرتم لأزيدنكم).. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.