نحن يا أعزتي من أمة كتب عليها السفر، نلتقي في المطارات وأرصفة الموانئ، نحمل حقائب مليئة بكل ما يذكرنا بسودانيتنا إذا كنّا متجهين الى مقرنا، أو مليئة بالهدايا والشوكولاتة، إذا كان عزمنا صالة الوصول بمطار الخرطوم. نردد في دواخلنا (سبحة لحبوبة تفرح تكسح الناس العجايز) ولعلي أذكر أرصفة الموانيء والمطارات، أذكر رحلتي الأخيرة الى دبلن، ففي مطار امستردام التقيت بشاب تنبعث من هاتفه أغنية (فاض بي لهيب الشوق)، واقتربت منه وسألته عن وجهته قال لي.. الخرطوم بعد خمس عشرة من السنين بعيداً عنها، وجلس يسرد لي قصته أنه هاجر الى أمريكا طلباً للعلم لكنه فشل في ذلك، وأصبح همه هو كيف يوفر لنفسه لقمة العيش. في زياراتي المتعددة للسعودية رأيت أمثال ذلك الشاب، أشخاص بلا عمل لعشرات السنين، في دواخلهم أن يرجعوا الى الوطن الحبيب، لكنهم يخافون من أن يقال لهم فشلوا، وسبب آخر لبقائهم هو الأمل بأن يجدوا وظيفة تعيد اليهم البسمة ويعودوا الى سوداننا محملين بالهدايا . أعزائي الغربة نضال، قد تظنون أن من اغترب هو سعيد الحال، فكم في الغربة من اشخاص لا يملكون قوت يومهم ومشاكلهم كثيرة، والأصعب من هذا أنه في الغربة ليس هنالك سيد الدكان أو الجار الوفي الذي تفضفض له همومك، قد تطول غربتنا ولكن كلنا شوق لأن ننطلق بالركشة لزيارة أعزائنا، أو أن (نضوق) طعم الكسرة أو الملوحة بعد سنين عجاف، نسأل الله أن يكون سوداننا أجمل وطن، وطناً كفيلاً بجمع المشردين منا، ولا طالت لنا غربة.