السودانيون في الناس كالعطر، لا يأنس بهم إلاّ حسُن المزاج، ولا يزهد فيهم إلّا فاسد الإحساس، وهم أقل الناس ميلاً للتدخل فيما لا يعنيهم، وأقل الناس جحوداً، ولا يغير فيهم الثراء وقدوم الدنيا ما يغير في غيرهم، وهم إن وقع الرجل فيهم في مصيبة ما استراحوا إلا وقد مدوا له أيادي العون حتى يخرجوه منها، وقلما تكون فيهم زوجة توبخ زوجها على الفضل والعطاء. هذا شيء من خلق السودانيين، فمن يٰفضلهم!؟ محمود توفيق-كاتب مصرى {{{ في ليلة 19 ابريل التقينا 18سودانياً وأخ اثيوبي كنا أغراب أغلبنا لا يعرف الآخرين، استقللنا بصاً يمخر بنا عباب طرقنا القومية المرقعة كرقعة الدرويش، محطتنا الأولى كانت (الكاملين) تناولنا عشاءنا وانطلقنا لنصلي الفجر في مدينة (الخياري) وتناولنا القهوة لنتحرك للقلابات، مروراً بالقضارف كانت شرطة المرور معنا مرافقة لنا من محطة لمحطة، أكملنا اجراءاتنا في الحدود، ودلفنا في وضح النهار الى الجارة المتمة الاثيوبية، كان سائق بصنا قد أخطأ في استخراج تصاريح المرور فأستبدلناه بحافليتين، وصلنا الى مدينة)قوندر( وجدنا تلفزيون الأمهرا وإذاعتها ومسؤولي السياحة يستقبلون ركبنا ،والفلاشات تتطاير موثقة وصول الوفد الشعبي السوداني، وظلوا معنا في كل أيام زيارتنا لحظة بلحظة لمدة سبعة أيام، لحق بنا بصنا السوداني فانطلق بنا الى مدينة (بحردار) ،ولم يزل يخذلنا فتعطل في منتصف الطريق، ومرة أخرى استبدلناه بحافلة نقل عام، قبل أن نغادرهم وضع أحدنا مبلغاً من المال في يد السائق لكي لا يعجز عن إصلاح البص، وآخر منا دفع فرق الترحيل دون أن يخبرنا أينما جلسنا لنتاول طعام أو شراب، ولم تعجل بالدفع المقدم تجد أن أحدهم قد سبقك، وينطلق القسم المغلظ وبعض من الحلف بالطلاق، انقضت أيامنا دون أن نعرف من سدد عن مَن، في طريق عودتنا كلما توقفنا في استراحة انطلق أحدهم يحاسب على المشاريب كاملة، دخلنا الى مدينة القضارف في طريقنا للعودة، فأقسم علينا نور الدين عجيب الذي يمت بصلة قرابة لأحدنا ،وقابلنا في الطريق أن يكرم وفادة جميع ركاب بصنا بكميات من المشويات على حسابه، ولم يقبل منا قسمنا فاستجبنا له، ولم تدر بخاطرنا ذرة استغراب أو اندهاش. وصل بصنا ليلاً الى مدينة ودمدني حاضرة الجزيرة فمنعنا رجل المرور، وطلب أن نبيت ليلتنا ونتحرك فجراً انطلقت هواتفنا نستنجد بوزيرة الثقافة ولاية الجزيرة، واللواء شرطة عادل ابوبكر، فصدرت التوجيهات لرجل المرور أن يأمر بمن يرافقنا الى الخرطوم حفاظاً على سرعتنا في السير، لنصل سالمين بفضل من الله وبتسخيره عباده السودانيين ليسهل أمرنا.. ما أود أن أخلص إليه أن من يتحدث عن أن نوائب الدهر قد غيرت سلوكنا العام عليه أن يراجع حديثه، فنحن التقينا لا نعرف بعضنا دون قبائل أو أحزاب، وعدنا ونحن أحب الخلق الى بعضنا، يقوم بذمتنا أصغرنا، وننصاع لمقترح أحدنا دون تردد، فلا تملك إلا أن تصرخ بملء فيك يا سلاااام.