٭ خرج الالآف من الأسبان وهم يهتفون ضد مدير تخطيط إحدى المدن أصدر أمراً بإقتلاع شجرة يصل عمرها للمائة عام، تتوسط أحد الطرق الرئيسية في المدينة، خرج هؤلاء بالمئات يطالبون السيد المدير أن تظل الشجرة في مكانها عزيزة مكرمة، وإلا فإنهم لن يسمحوا له أن يجلس مرتاحاً على مكتبه، إنما سيكون جالساً على مقعد من صفيح ساخن، شعر المدير بالخوف على نفسه بعد أن وجد اللهب آخذاً في التصاعد، فأصدر أمراً ببقاء الشجرة في مكانها، من جانب آخر أذكر قبل مدة ليست بالقصيرة أن رأيت مجموعة من أشجار تجاوز عمرها المائة عام تتناثر على أطراف من شارع النيل دون أن يتألم لكسر أعناقها أحد، فشعرت بوخزة في القلب، ليت من أمر بقطع تلك الأشجار قد شعر بها. ٭ قبل أعوام قرأت عموداً كان يكتبه الرائع السر أحمد قدور تحت عنوان (أساتذة وتلاميذ) أشار فيه إلى أن الشاعر الضخم محمد المهدي المجذوب، قال له إن المقطع الذي أقول فيه في قصيدتي (عصافير الخريف): ورجعت خليت الدموع يرتاحو مني وينزلو هو مقطع فيه من الإبداع ما يجعلني أؤكد أن هذا الشاعر الذي كتب هذه الكلمات سيكون له شأن عظيم في مسار الأغنية السودانية، وأنا أصدقكم القول أن هذه العبارة التي نطق بها المجذوب للسر قدور، منحتني من القوة ما جعلتني أبتسم أمام كل نقد يوجه لي، سواء أن كان شامة على الخد أو عتمة على العيون. ٭ رفضت كافة القبائل في الجزيرة العربية أن تستقبل على أرضها الرجل الذي أغمد سيفه في قلب فارس العرب عنترة بن شداد، قتله أثناء مبارزة تمت بينهما في إحدى الغزوات، وكان عنترة وقتها قد بلغ من العمر أرذله، إلا أنه وبالرغم من ذلك كان يقاتل إلى جانب قبيلته بني عبس، كان هذا الرجل فرحاً بقتله عنتر الذي طبقت شهرته الآفاق، ولكن النتائج جاءت علي غير ما يرجو، حيث جعله قتله لعنتر منبوذاً في كافة قبائل الجزيرة العربية، بإعتباره قد تعرض لفارس عظيم وهن عوده وجف بصره، وأنا على يقين تام أن هذا الرجل لو تقدم نحو عنترة منازلاً في أيامه الأولى لجعل منه عنترة وجبة لنسور الصحراء. ٭ كان الشاعر الراحل عثمان خالد مغرماً بأغنيتي (صفق العنب) التي تغنى بها الفنان جمال فرفور مؤخراً، كان كل ما جمع بيننا لقاء في مجلس طلب مني أن أقرأها عليه، مما جعلني أسأله مرة عن السر في محبته لهذه الأغنية دون غيرها من العشرات من أغنيات كتبتها، فقال لي غداً ستعلم، بعدها غادرت إلى دولة الأمارات مغترباً، وهناك جاءت الأخبار تنعي رحيله، هل تصدقون أنني وحتى هذه اللحظة أتحاشى تماماً الاستماع لهذه الأغنية برغم جمالها لأنها دائما ما تذكرني بالراحل الحبيب وأيامنا معاً. ٭ ظل الفنان الراحل خوجلي عثمان يؤكد دائماً أنه لولا أغنيتي (اسمعنا مرة) لما عرف طريقه إلى دوائر الأضواء، وقال إنه يعتبرها طفلته المحببة إلى نفسه يداعب ضفائرها كل صباح، ويظل يهدهدها إلى أن تنام على حضنه.. وأضاف إنه حين استمع إليها أول مرة من الموسيقار عبد اللطيف خضر أحس أن علاقة روحيةً تجمعه بها، وكان يقول دائماً: إن (أسمعنا مرة) تعتبر السيدة الأولى على كل أغانياته.. أما أنا فبالرغم من أنني كتبت مجموعة من الأغنيات لعددٍ من الفنانين عبرت بهم إلى الأضواء ، إلا أن واحداً منهم لم يفكر يوماً أن يذكرني بكلمة فيها شئ من الحب إلا (خوجلي) فهو الفنان الوحيد الذي ظل يذكرني بكل الحب إلى أن غادر. هدية البستان علي صفق إسمين .. كتبناهم برمش العين ومرت بينا غيمة فرقة .. وإتفارقنا مجبورين