ليس دائماً ما يكمن الشيطان في تفاصيل العلاقة بين الأحزاب والكيانات السياسية، وإنما بعض الأيدي الخفية تظل تتحرك في الربع الخالي تترقب ثغرات في العلاقة تمرر من خلالها أجندتها الخاصة، لتعبث بالعلاقة المتينة بين الأحزاب، وربما بعضاً من هذه الأيدي نشطت في الأيام الماضية حتى أفلحت في هز الثقة بين حزب الأمة القومي والحركة الشعبية، قطاع الشمال مما أدي لتوتر العلاقة بينهما، للدرجة التي تبادلت قيادتهما الاتهامات حول شرعية تفويض زعيم حزب الأمة للحديث مع رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثامبو امبيكي، ممثلاَ لقوى نداء السودان . دخان كثيف دخان كثيف ربما أطلقته تلك الأيدي دفعت قيادات بقطاع الشمال إلى المطالبة بسحب التفويض الممنوح للإمام، وحسب مصدر مطلع فإن التوترات بدأت بين الجانبين عقب توقيع الحكومة السودانية على خارطة الطريق الأفريقية مع الآلية، وقال المصدر ل(آخر لحظة) إن أمبيكي عرض الوثيقة في اجتماع سري على زعيم حزب الأمة قبل أن يعرضها على الأطراف الأخرى، ووجد أمبيكي موافقة مبدئية من الإمام ثم عرضها على الأطراف الأخرى في اجتماع أديس أبابا الشهير، بيد أن أمبيكي تفاجأ بتراجع الإمام عن موافقته الأولى بسبب تعرضه لضغوط من قادة قطاع الشمال الذي كان قد وعد المهدي أمبيكي بالعمل على اقناعهم بالتوقيع على الوثيقة، غضبة رئيس الآلية الإفريقية على زعيم حزب الأمة شكلت مسماراً في نعش العلاقة بين الجانبين، وتجمعت سحابة قطيعة في سماوات العلاقة التي ظلت مصدر إزعاج للنظام في الخرطوم طلية الفترات الماضية، بيد أن وساطات قادتها أطراف محايدة أفلحت في إعادة المياه إلى مجاريها بين الإمام وأمبيكي . إشعال النار إعلان حزب الأمة القومي عن لقاء مرتقب سيجمع زعيمه مع ثامبو أمبيكي ربما كان بمثابة صب مزيد من الزيت على نار الخلافات المشتعلة على جسد قوى نداء السودان، ففي الوقت الذي تمسك فيه بعض من قادة قطاع الشمال باجتماع شامل لكل القوى مع أمبيكي، تمسك المهدي باجتماعه منفردا مع رئيس الآلية ، وقالت الأمين العام لحزب الأمة سارة نقد الله في مداخلتها خلال اجتماع حزبي إن تمسك الحركة الشعبية بالاجتماع مع أمبيكي غير مبرر، لأن اللقاء لا يخرج من أجندة مناقشة الورقة الإفريقية لتي تم الدفع بها مؤخراً، والرؤية السياسية للسلام العادل والتحول الديمقراطي، لكن قطاع الشمال أبدى تخوفه من أن يبحث اللقاء المرتقب خطوة متقدمة لعودة المهدي للبلاد، والتوقيع على خارطة الطريق الافريقية، بيد أن نقد الله أكدت أن بقاء المهدي بالخارج من عدمه تقرره مؤسسات الحزب، وليس قطاع الشمال، وأضافت إذا كان قطاع الشمال يرفض رؤية الإمام عليه أن يبحث عن قيادة شرعية للمعارضة . طريقة ماكرة الأزمة بين الجانبين على ما يبدو لم تكن وليدة لحظة إعلان حزب الأمة للاجتماع منفرداً برئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، وإنما نشبت على خلفية الاجتماع السري الذي سُربت مخرجاته إلى الحركة الشعببية قطاع الشمال، وكشفت نوايا الإمام في الموافقة على خارطة الطريق، ثم بطريقة ماكرة تعاملت الشعبية مع موافقة زعيم حزب الأمة على التوقيع، واقناع فصائل نداء السودان الأخرى، ومارست ضغوطات كبيرة على المهدي بعدم التوقيع، وسعت للوقيعة بين المهدي وأمبيكي، للحد الذي دفع أمبيكي ربما إلى توقيع خارطة الطريق مع الطرف الحكومي، ثم بدأت الشعبية في إخراج الهواء الساخن، وكشفت للمهدي علمها بالاجتماع السري ومخرجاته، وبدأت الثقة بين الجانبين تهتز إلى الحد الذي جعل الرمال تتحرك من تحت أقدام قوى نداء السودان، المهدد بمصير يشبه إلى حد بعيد مصير التجمع الوطني الديمقراطي .