أطلعت على المقابلة التي أجرتها الصحيفة معي وأود أن أشكركم على إظهار بعض الحقائق الخافية على الناس والتي لو قيلت في زمانها لما نظر إليها الناس بعين الحقيقة، ورغم قصر اللقاء الذي تم بيننا فإنني كنت أود أن تمهلنا الظروف أكثر لطرح الحقائق الغائبة، وأستميحكم عذراً أن تفردوا مكاناً بصحيفتكم الغراء لتنقيح ما غاب وشرح بعض ما طرحناه. أولاً:- أنا لم أكن مدرساً بكلية القادة، بل كنت طالباً في فرقة أركان حرب أصاغر. ثانياً:- الرئيس عمر البشير هو من الدفعة الثامنة عشرة وليست الدفعة التاسعة عشرة. ثالثاً:- قائد العملية هو العقيد موسى إسماعيل. رابعاً:- العقيد موسى إسماعيل عندما علم بأن اليهود الفلاشا يتم ترحيلهم من أسبانيا إلى إسرائيل والتي كان مفروضاً أن يتم بقاؤهم بها كلاجئين - أقول - عندما علم بذلك من خلال إذاعة البي بي سي أوقف العملية ومن ثم أيده اللواء عمر في ذلك.. لقد كانت ظروف السودان الاقتصادية قاسية فقدمت الحكومة الأمريكية عروضاً مغرية للسودان كان الكونجرس قد طرحها للتصويت عليها وتبلغ في حدود البليون ونصف دولار، ولكم أن تتصوروا قيمة هذا المبلغ في ذلك الزمان، وكان مقابلها إنقاذ الفلاشا من المجاعة التي تفتك بهم وترحيلهم إلى أوربا ولعلمكم أثيوبيا في عهد منقستو كانت ترحل هؤلاء الفلاشا بأعداد فردية وتشتري في مقابل ترحيلهم طائرات أسطولها (الخطوط الأثيوبية)، بينما اليمن قد أرسلت من قبل 36 رحلة جوية تحمل يهوداً إلى إسرائيل مباشرة، بينما وصلت من قبل 12 رحلة من المغرب ليهود آخرين إلى إسرائيل. خامساً:- عمليات ترحيل الفلاشا كانت تتم من مطار الخرطوم وعندما أوقفها موسى إسماعيل صدرت تعليمات من رئيس الجمهورية شخصياً بأن يعاد الترحيل ومن منطقة القضارف وأن يتم ذلك بطائرات أمريكية وقد حدث الأمر إلا أن هناك عمليات سرية قد حدثت قبل ذلك ولم تكن بعلم السلطة، بل كانت بإشراف الموساد، الأولى كانت تتم عبر مطار كرساقو المهجور والذي كان مطاراً للقوات البريطانية إبان الحرب العالمية الثانية. والثانية عبر قرية عروسة السياحية أو لربما كانت العمليتان متزامنتين (المرجع) .. الكتابان by way of deception, the lost Jews وكتاب أسرار جهاز الأسرار للعميد محمد عبد العزيز والعقيد هاشم أبورنات. سادساً:- موضوع الاعتقالات كانت لكل الجهاز وأود أن أشرح أن الاعتقال كان خطأ كبيراً، إذ كيف يعلن للناس أن يعتقلوا جميع أفراد الجهاز وترك البلاد بلا حارس لها، وذلك بسبب اعتقاد خاطئ بأن جهاز الأمن كانت مهمته فقط تعقب الناس، نعم كان هناك تعقب ولكن كانت هناك مهام أخرى أهم للوطن وأمنه، وعندما قامت الانتفاضة كُلف اللواء السر محمد أحمد بالإصلاح وهو ضابط من القوات المسلحة وله خبرة استخباراتية عالية وذو كفاءة ومشهور بأنه نقي الذمة والسريرة، فاستلم الجهاز وأمر بإيقاف أقسام معينة ريثما يتم التحقيق معها لتبيان من هو المخطئ ومن هو المذنب ومن هو البرئ إلا أن القرار جاء من المجلس العسكري الحاكم باعتقال الجميع وهنا ضاعت الحقيقة وانتشرت الشائعة، مثلاً أن يقول ضابط كبير مسؤول وكان عضواً بالجهاز ومن ثم عاد إلى القوات المسلحة- أن يقول إن جهاز الأمن به قوة كبرى وبيوت سرية وهو نفسه هو الذي انشأ البيوت السرية التي لم تكن معروفة لدى جهاز الأمن، أو أن يقول ضابط كان على صلة بالجهاز إن قوة جهاز الأمن هي 70 ألفاً بينما توضح الوثائق أن القوة هي 400 ضابط وحوالي ال 2500 فرد فيهم موظفون وكتبة ومحاسبون وسائقو عربات ومسؤولو النظافة وورش الصيانة، وكل المذكورين ليس لهم دخل بالعمل الأمني، نعم كان عدد المحترفين سواء سياسياً أو اقتصادياً أو العاملين في مجال المخابرات الخارجية أو المسؤولين عن حماية الحدود والسدود قليلاً ولكنهم كلهم كانوا ذوي كفاءة وتدريب متقدم وإن كان هناك من أخطاء فالخطأ موجود في كل مناحي الحياة والبصلة الفاسدة تنتشر رائحتها إلى كل الجوال (الشوال). سابعاً:- الضابط الذي كان قد قرر أن يهرب ويتصل بالجامعة العربية لفضح عملية الفلاشا، قد فشلت خطته وأنا أعتقد أن دوافعه قد سيطر عليها الدافع الشخصي نسبة لميوله نحو الاتجاه القومي العربي ونسبة لإعدام خاله في محاولة انقلابية ولكن ماذا كان عليه أن يفعل؟ كان عليه أن يتقدم باستقالته مسبباً فيها رأيه ومن ثم وحتى لو اعتقل فإنه كان سيصبح رجلاً له رأي محترم. إن أول دولة وصل لها هذا الرجل أوقفته وأعادته للسودان. ثامناً:- ما قاله العميد أحمد الجعلي لعثمان عبد الله (مايو دي كانت سفرة دسمة مليئة بالطعام وانتوا عزمتونا عليها وحسة عاوزين تدفعونا الحساب)، كان يعني أن الاستخبارات العسكرية التابعة للقوات المسلحة هي التي انشأت جهاز الأمن القومي وهي الآن تريد أن تضربه. تاسعاً:- من الأمور المؤسفة جداً أن أغلب من كانوا يريدون أن تنمحي الحقائق باعتقال أفراد جهاز الأمن هم من ذوي الدوافع الشخصية، وذلك بغرض دفن سوءاتهم والتي يعرفها أفراد الجهاز وصبروا على هؤلاء ولم يقولوا عنهم ما كان فيهم، كما أن بعض الأجهزة الموازية لجهاز الأمن أرادت أن (ترمي الشيلة) في الجهاز لتنقذ نفسها، وأنا لا أقول ذلك نافياً أن هنالك من اخطأوا في حق الآخرين، ولكن أن يستعمل الناس المثل (الشر يعم والخير يخص)، فهذا مثل أودى بالبلاد إلى دوامة ولقد رفض اللواء السر محمد أحمد (السر أب أحمد)، اعتقال جميع أفراد الجهاز وقال لمجلس الانتفاضة سجلوا عني أن هذا الجهاز عمره 16 سنة وإذا ما أجريتم الحل فسوف تحتاجون إلى 16 سنة أخرى للوصول إلى الحالة التي عليها هذا الجهاز من الخبرات، ولعله كان صادقاً، ففي اليوم الذي أعلن فيه حل الجهاز دخلت إلى الخرطوم ثلاث شاحنات ملأى بالسلاح وكان ممن شارك في المظاهرات الداعية لحل الجهاز قنصل دولة مجاورة سحنتهم تشبه أهلنا وقد نتساءل لماذا خرج هذا الرجل في المظاهرات؟.. الإجابة ببساطة لأن جهاز الأمن كان مخترقاً لتلك الدولة ولم تستطع أن تنفذ أي عمل مضاد للسودان وهي الراغبة فيه. عاشراً:- إذن هل ممكن عدم حل الجهاز وتنظيفه وإبقاء من هو صالح؟.. ربما كان ذلك ممكناً إذا ما كان المجلس العسكري الحاكم لديه درجة من الوعي بالأمور، وكان ممكناً أن يقول المجلس للجماهير الهادرة التي خرجت تطالب بحل الجهاز، إننا قد قررنا أن نوقف العمل بأقسام الجهاز المرتبطة بالجمهور وسنحقق فيها تماماً كما فعل اللواء السر محمد أحمد ولكن المجلس نفسه كانت به نقاط محسوبة على مايو وبالتالي كان الكل يوجس خيفة على نفسه وإن عادوا عدنا.