إن الأوضاع في ثاني أكبر مشروع زراعي في البلاد كارثية- حسب بيان الذي قدمه مدير عام هيئة الرهد الزراعية المهندس/ عبد الله محمد أحمد أمام المجلس التشريعي بولاية الجزيرة في الأسبوع المنصرم، وكشف البيان الشفاف الحال الذي آل إليه المشروع جراء تعطيل طلمبات الري التي انتهى عمرها الافتراضي قبل حوالي خمسة عشر عاماً ..وقال المدير العام بصريح العبارة إن الوضع الراهن في الطلمبات يصعب معه الحديث عن الموسم الزراعي 2016م – 2017م وأشار إلى أن هناك اتفاقاً بين الجهات ذات الصلة لتوريد قطع غيار إسعافية بصفة عاجلة لصيانة خمس طلمبات لدخول الموسم الزراعي الحالي، ولازم ذلك بعض التأخير وأوضح بأنه من الضروري استعجال إحلال الطلمبات بصورة كاملة ونظراً لكبر المبلغ الذي تتطلبه عملية الإحلال الكامل – أي لإحدى عشرة وحدة – وهو مبلغ 10 ملايين يورو يمكن التدرج في الإحلال يبدأ بثلاث أو أربع طلمبات بتكلفة تبلغ حوالي ثلاثة ملايين يورو بصورة عاجلة.. وأشار التقرير إلى أن المشروع قد فقد كل وسائل الحركة عندما آلت إدارة المشروع بالكامل من الري إلى الحقل لشركة كنانة، حيث تم التصرف بالبيع في جميع متحركات الهيئة من السيارات وغيرها، وأن المشروع يعتمد الآن على إيجار أكثر من 50 سيارة تضيف عبئاً كبيراً على ميزانية الهيئة. وخلص البيان إلى قرار الهيئة بإيقاف زراعة الفول السوداني اعتباراً من 7/5/2016م لانعدام الكميات الكافية من المياه للأعطال المتكررة بطلمبات الري، وهذا بالطبع يعني خروج المشروع من العروة الصيفية والتي تشمل محصولات القطن – الفول السوداني، والذرة ..وأشار البيان إلى مسألة مهمة وخطيرة عن أهمية تشغيل الطلمبات في توفير مياه الشرب للإنسان والحيوان على مدار العام نظراً لعدم وجود مياه جوفية بمنطقة المشروع. خلفية تاريخية: بدأت الدراسات لقيام مشروع الرهد الزراعي من قبل الإدارة البريطانية في العشرينيات من القرن الماضي، واستؤنفت الدراسات عقب اتفاقية مياه النيل عام 1959م، حيث تعاقدت وزارة الري عام 1961م مع إحدى الشركات البريطانية لإعداد كتاب فني عن المشروع ما يطلق عليه دراسة الجدوى في الوقت الراهن، وظل الأمر مجمداً حتى عام 1968م حين أقدم وزير المالية الراحل الشريف حسين الهندي على إعداد الدراسات الفنية والتمويل عبر البنك الدولي والتي جاءت تقديراته 94 مليون دولار إلا أن الاتفاق مع البنك الدولي قد ألغي عقب قيام انقلاب مايو1969م وقام وزير الري المايوي بإعادة حساب التقديرات في الدراسة، حيث بلغت التكاليف 36 مليون دولار وبالفعل تم البدء في التقديرات وعقب زيارة الرئيس الأسبق الراحل جعفر محمد نميري لروسيا، رؤي أن يقوم الاتحاد السوفيتي بالتمويل ووصلت بالفعل بعثة سوفيتية، ورأت أن يروى المشروع مباشرة من النيل رياً انسيابياً بدون طلمبات على أساس حفر ترعة طولها 195 كيلو متر، تبدأ من الروصيرص ثم تبدأ بعد ذلك الترع الفرعية المغذية للمشروع إلا أن الروس فشلوا في شق الترعة بعد أن تم حفر سبعة كيلو مترات متعللين بوجود صخور لم تستطع آلياتهم التعامل معها ورأوا بدلاً من ذلك أن يتم ري المشروع بواسطة طلمبات من النيل، وعلى ضوء ذلك تعاقدت وزارة الري مع بعض الشركات لإنجاز منشآت المشروع لاستجلاب إحدى عشرة وحدة، طلمبات لري ثلاثمائة آلاف فدان، واكتملت المرحلة الأولى للمشروع في عام1972م والمرحلتان الثانية والثالثة في عام 1982م بتكلفة بلغت 95 مليون دولار، ويهدف المشروع إلى تحقيق الاستقرار للمواطنين الرحل والذين كانوا يتنقلون لأن حرفتهم الرعي وتربية الماشية، إلى جانب عدم توفر مصادر للمياه بالمنطقة، وقد كان الفضل لمشروع الرهد في تشييد 60 قرية، ثم زاد عددها ليفوق 100 قرية من القرى التي انشأها الأهالي و(الكنابي) وقد أتاح المشروع كذلك فرص عمل لأكثر من أربعة عشر ألف مزارع مع تطوير المنطقة، وربطها بشبكات الطرق مع المناطق الأخرى وتوفير خدمات المياه والصحة والتعليم والكهرباء، فضلاً عن زيادة الدخل القومي من خلال زراعة محصولات الصادر القطن –الفول السوداني وزهرة الشمس، وبمرور السنوات إذ ارتفعت مساحة المشروع لتصبح 350 ألف فدان بعد اكتمال التفتيش العاشر داخل حدود ولاية الجزيرة، وأن هذه الزيادة أسهمت في إدخال أكثر من عشرة آلاف أسرة إلى دائرة الإنتاج ويعد التفتيش العاشر أحد أبرز إنجازات والي الجزيرة الأسبق الفريق/ عبد الرحمن سر الختم ومن المعروف أن 60% من أراضي المشروع تقع في ولاية الجزيرة و40% في ولاية القضارف، ونجح المشروع بكل المقاييس في تحقيق الاستقرار بمنطقة البطانة وتوفير الخدمات الضرورية وتعيش في كنف المشروع آلاف الأسر من النازحين جاءوا إلى المنطقة بعد الجفاف والتصحر الذي ضرب غرب البلاد ،والذين انصهروا في بوتقة واحدة مع مواطني البطانة وشكلوا نسيجاً اجتماعياً بديعاً من الإلفة والمحبة والسلام. فشل تجربة كنانة: والجدير بالذكر أن اتحاد مزارعي مشروع الرهد الزراعي كانوا قد دخلوا في شراكة ذكية مع شركة سكر كنانة بالتنازل عن 50% من الأرض، تقوم بزراعتها الشركة بالحبوب الزيتية وبموافقة وزارتي المالية الاتحادية والزراعة تسلمت كنانة إدارة المشروع بالكامل خلال موسم 2010م – 2011م إلا أن تجربة الشركة باءت بالفشل وبدلاً من رفع الإنتاجية باستخدام الميكنة الزراعية والعمالة المباشرة من غير مزارعي المشروع، إذ أنتج فدان الفول حوالي جوالين فقط بدلاً من 150 جوالاً وفق مؤشرات الشركة، الأمر الذي أدى إلى فض الشراكة بالتراضي بين المزارعين والشركة وذلك لعدم استفادة الطرفين حسب إفادة السيد/ حسين الشوبلي رئيس اتحاد مزارعي المشروع السابق، والذي وقع إنابة عن المزارعين على اتفاقية فض الشراكة آنذاك. أما عن الحديث الذي يدور حول قيام شركة سكر كنانة بتأهيل طلمبات المشروع قال عنه المهندس/ عبد الله محمد أحمد مدير عام المشروع الحالي إن شركة كنانة قامت بالفعل بتأهيل طلمبات الري بالاستفادة من القرض المقدم من بنك جدة الإسلامي لتأهيل الطلمبات، والذي تزامن وصوله مع استلام كنانة لإدارة المشروع وأضاف قائلاً: إن المشروع قد استفاد كذلك من قرض الأوبك في تأهيل محطات وخطوط الكهرباء تأهيلاً كاملاً، ولا توجد أي مشكلة في هذا الجانب وتبقى المشكلة في توقف طلمبات الري التي تشكل عصب المشروع. نذر كارثة: والآن تفيد الأخبار بنذر كارثة حال توقف الطلمبة الوحيدة التي تعمل الآن في توفير مياه الشرب للإنسان والحيوان، ولوجود حوالي مليون نسمة بمنطقة المشروع يتبعون لولايتي الجزيرة والقضارف، كما يوجد بالمنطقة أكثر من 20 مليون رأس من الماشية مستوطنة وقادمة من ولايات الجزيرة – القضارف – سنار – النيل الأزرق.. الأمر الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات العليا في الدولة لإنقاذ الموقف صعب التقدير.