يظل ربيع يوسف الحسن أحد المخرجين السودانيين القلائل الذين قدموا فتوحات مهمة للعمل المسرحي في الداخل والخارج، لأكثر من سبب، فهو مستجيب للبيئة المحيطة به، وعمله الفني الذي يقدمه دائماً مايأتي وفق مشروع فكري وثقافي، همه معالجة الأزمات الاجتماعية والثقافية والسياسية في السودان، ولم يركن الى الخاص إنما ظل موضوعياً في تناوله وطرحه، وهذا ما ميزه ودفعنا لحواره حول قضايا الدراما السودانية حوار / مصعب محمد علي * ليكن حوارنا حول الدراما التلفزيونية في هذا الشهر الكريم، بداية سأترك لك مدخلاً للحوار بوصفك درامياً ؟ - أسمح لي أن أذكر ملاحظات ومبادئ عامة تخص رؤيتي لمشروع الدراما التلفزيونية الوطنية، من هذه الملاحظات، لا يمكن لأي دراما وطنية أن تنهض بعيداً عن إرادة الدولة وأموالها، وبعيداً عن سلطة الجهلاء وهما أمران غير متوفرين البتة لدرامتنا السودانية، بل العكس فهي تعاني من عنف الدولة وتسلط الجهلاء * ماهو الشيء المؤكد لهذا الحديث؟ - ما يؤكد هاتين الملاحظتين هو صيغ الإنتاج التي ظل يعتمدها التلفزيون القومي من سنين، فقد ترك مسؤوليته تماماً للدراميين، لينتج الدراميون أعمالهم من موارد معدمة وفقيرة، ومن ثم يذهبوا مأسوفين ليبحثوا عن راعي لهذه الأعمال، وهنا تتحقق الكارثة في أفدح مأساويتها * وماهي النتيجة؟ -النتيجة أعمال قصيرة تتناسب وفكرة الإعلان التي يفرضها الراعي، بجانب أنها أعمال تتسول الإضحاك.. الشاهد على ذلك أن 90% مما يقدم هو سلاسل قصيرة تنهض بسلطة نجوم إضحاك لا يتمتع معظمهم بلياقة فكرية أو حساسية مهنية أو مجتمعية تؤهلهم لمقاربة قضايا وطنية / إنسانية، نجوم مشغولون بتغيير ماركة السيارة، حتى دون الإشغال بتطوير أدواتهم، بل بعضهم يأتي بذات تصفيف رؤوسهم.. وهنا تغيب تماماً الأعمال الطويلة ذات الأبعاد الملحمية والتاريخية * تعني التلفزيون القومي فقط أم كل القنوات فهناك الشروق والنيل الأزرق؟ - المسؤولية تطالهم جميعاً وإن كان التلفزيون القومي يتحمل الوزر الأكبر * في هذه الحالة الخسارات جماعية، المشاهد أولاً والممثل والمخرج أو عناصر العمل الفني؟ - الخسارة تجرح وتؤلم الجميع، وإن كان الخاسر الأكبر هو الوطن، حيث أضاع عليه المتآمرون - بتثبيتهم لهذا الوضع - فرصة أن تنموا حكاياته وأشجانه جنباً إلى جنب، حكايات الشعوب التي صرنا نحكيها وكأنها حكاياتنا، ولفرط المغالاة صارت ألسنتنا شامية وخليجية وقبلاً مصرية. * الملاحظ هو وجود مكثف للدراما، ألا يراكم هذا الوجود الخبرة والمران؟ - الوجود كمي وليس نوعي وهو ناتج عن هذيان ورعب من مسؤولي التلفزيون، بمعنى أنه ليس ناتج ذهن مفكر ومن ثم مخطط، إنما مرعوب من أصوات الدراميين لدرجة جعلته يهذئ فنفى الدراما من حيث أراد لها الوجود. * وماهو شاهدك على هذا الحديث؟ - شاهدي على هذا الأدعاء يكمن في عدم ملامسة معظم هذه الأعمال لأي سؤال قومي أو أجتماعي، سياسي.. أعمال غير مشغولة لا بقضايا حرب أو فقر أو بلد.. بلد أكثر ما ينقصه هو الأحلام.. أعمال ليس بنيتها أن تصنع حلماً يتنسمه المواطن، بنيتها الإنصراف نحو ضحك يومي مبتذل. * أضرب لنا مثالاً؟ - سأضرب لك مثالاً واحداً من محيطنا القريب، فبينما تحاول جارتنا القريبة إعادة إنتاج وتوطين ملفات ومفاهيم لصالح مخططاتها السياسية والاستراتيجية عبر الدراما، فتسرع وتقدم مسلسلات طويلة تقارب تحديات تاريخها المعاصر.. الأمر الذي ينتظم كل بلدان العالم، حيث تقف الأجهزة الرسمية وغيرها وراء إنتاج الدراما، بينما ننتج نحن بمبادرات فردية أو انتهازية، عليه أعتقد وفي ظل خيانة التلفزيون القومي لمشروع الدراما الوطنية وتركها لمبادرات فردية، إنما يظل المشهد قاتماً وفي أحسن حالاته خادع يوهم بنهضة زائفة تراكم الأخطاء، وتضخم أفراد على حساب تضاؤل مشروع كامل.