لم يكن د. مندور المهدي نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم موفقاً فيما قاله في برنامج مؤتمر إذاعي الجمعة الماضية حينما تطرق بالحديث إلى قضية الجنسية بالنسبة للجنوبيين المقيمين بالشمال، والذي ذكر فيه إن (حزبه) سيمنح الجنسية لأعضاء المؤتمر الوطني الجنوبيين (لأنهم ظلوا مؤمنين بقضية وحدة السودان والمصير الموحد بين الشمال والجنوب، وأن الشمال سيكون كريماً جداً معهم)- على حد تعبيره? والذي نأخذه على حديث الأخ مندور أنه أولاً جعل من الانتماء الى المؤتمر الوطني أساساً لمنح جنسية الدولة، وهذا أمر ليس له أصل دستوري ولا تقره كل القوانين والأعراف والقواعد المتبعة في منح الجنسية في كل المجتمعات المتحضرة والمتخلفة على حد سواء في عالم اليوم..لأن قضية منح الجنسية قضية سيادية والسيادة مفهوم متعلق ومرتبط بشكل وثيق بالدولة، ذلك الكيان الذي يتميز بالثبات والاستمرارية، بينما الأحزاب مهما بلغت من القوة هي كيانات متغيرة ومتقلبة بطبيعتها، وهي جزء من الدولة والنظام السياسي والاجتماعي السائد، فكيف يقيّد الجزء الكل؟ ثم أن هذه (القاعدة) التي اشترعها السيد مندور ستحرم من هم أكثر استحقاقاً للحصول على الجنسية وهم أولئك الذين صوتوا لخيار الوحدة، ولكنهم ليسوا أعضاء في المؤتمر الوطني ولما كانت عملية التصويت سرية بطبيعتها ولا يمكن معرفة الخيار الذي اختاره الناخب، فيصبح من الظلم وعدم العدالة أن يُحرم هؤلاء من التمتع بالجنسية ويُعطاها المنتمون للمؤتمر الوطني الذين نفترض جدلاً ونحسن الظن فيهم كلهم بأنهم (صوتوا) لصالح الوحدة! إن منح الجنسية كما قلنا من الأمور السيادية البحتة التي تمارسها وتقوم بها السلطة المخول لها بذلك، والحديث عن تفاصيلها وشروطها في سياقات أحاديث سياسية يدخلها قسراً ضمن المكاسب السياسية الحزبية ما كان ينبغي أن تقحم فيها أبداً.. منح الجنسية ينبغي أن يقوم على أسس قوية ومتينة تُراعي فيها مصلحة الوطن العليا، وأي دولة لها الحق في منح جنسيتها لمن تشاء وتحرم منها من تشاء ولا أحد يلومها على هذا المنح أو ذاك المنع، فلماذا الخوض في هذا الأمر في الوقت الراهن الذي ما يزال فيه الجنوب جزءاً لا يتجزأ من جمهورية السودان؟ ألا يدفع قول الأخ مندور الجنوبيين الوحدويين- من غير المنتمين إلى المؤتمر الوطني وهم مقبلون على صناديق الاستفتاء- إلى اختيار الانفصال لأنه (ما فيش فايدة) طالما أنهم لن يتمتعوا بجنسية الشمال الذي ارتبطوا به وجدانياً ومادياً.. ألا يجعل هذا القول الجنوبيين الانفصاليين من الذين يريدون أكل الكيكة والاحتفاظ بها في نفس الوقت إلى التصويت للانفصال ومن ثم يسعون إلى الانتماء إلى المؤتمر الوطني، وهو أمر سهل ويسير جداً للتمتع بالجنسية والإقامة في دولة الشمال، أم أن أبواب الانتماء إلى الحزب ستوصد في وجه الجنوبيين بعد التاسع من يناير المقبل منعاً لهذا (الاستغلال)، ألا يخشى المؤتمر الوطني من أن يصبح حزباً يرتاده طلاب الجنسية مكرهين لا أبطال ودون إيمان بالفكرة والمبدأ، وأن ينتمي إليه من المندسين والمنافقين والغواصات والطوابير من لن يزيد الحزب إلا خبالاً؟ ألا يسهّل هذا المدخل على الحركة الشعبية مهمتها في التواجد والعمل من الباطن في أعلى قمة هرم السلطة السياسية والتي يمثلها المؤتمر الوطني في دولة الشمال؟. أكثر ما أخافه وأخشاه أن يكون ما قاله الأخ مندور المهدي قصد به دعم خيار الوحدة، ومن باب التأثير على سلوك الناخب الجنوبي، لأنه في هذه الحالة فإن أثر الرسالة بلا شك سيكون سالباً بالفهم الذي أسلفناه، ولأن الحقيقة التي لا مناص من مواجهتها هي أن الحركة ستفصل الجنوب by hook or by crook وبالتالي فإن الرهان عليها رهان خاسر ومضيعة للجهد والوقت. وأخيراً أتمني أن يكون ما قاله الأخ مندور رأياً شخصياً زل به لسانه ولن يجد طريقه الى الاعتماد الرسمي من الجهات المختصة.