العرب تحتفي بشعر الرثاء اكثر من الاجناس الاخري من شعرهم.. فالقيمه الانسانيه هنا اعلي واصدق.. ماذا عساي ان اقول في رحاب (حسن البصري) فعلي حسن فلتبكي البواكي. البطري قامه صحفيه وانسانيه عاليه البهاء والادب. والذوق والرقي والجمال. التقينا في محطات عديده. الاخيره رحلتنا الي اديس ابابا العام الماضي ضمن وفد صحفي كبير. في فناء السفاره مازحته قائلا يا استاذ ستأتي هنا ملحقا اعلاميا. لا اعرف ماذا قال وقتها. ولكني علي يقين انه لم يقف كثيرا عند الفكره. فالبطري ابكر من الوظيفه ومن الماده مره كنا معا في بيروت.. هنا احسست انه يحمل بعض شبه من هذه المدينه. الادب والثقافه والجمال والذوق. سعدت برفقته وربما قلت له شئيا من ذلك. قلت له انت تمثل امتدادا حقيقيا للرعيل الاول من الصحفيين. موسوعيه الثقافه وجمال اللغه واناقه الاسلوب والصرامه المهنيه والشخصيه السودانيه (الاصيله بكل قيم الكبرياء والصرامه والشجاعه. والنبل لا اعتقد اني ساترسل اكثر. فقد وجدت في كلمات الاخ والصحفي محمد حامد جمعه ما يغني ..وبها سلوي. وبها صدق. كتب محمد بالنيابه عنا. فاجاد واوصف واوفي بحروف باكيه وصادقه... نعي النعاة ، حسن البطري ، لم يهاتفني احد ، اذ عبرت عدوا فوق نداءات هاتفي مع بواكير الصباح ، اكره زوار الالياف الصوتية في هذا التوقيت ، اذ لا تطرق بخير ، فهي في أرجح تفاسيرها اما انك تشيع لك عزيزا او تبرقك باختصار مفجع ، ومثل عادة هذا الزمان ، مسست هاتفي انضح اشباح احرف (مكالمة فائتة) عن سطح الشاشة لتبرز لي عناوين المجموعات مثل رؤوس الشواهد ، كان (البطري) هناك يقف في (أيقونة) بسام الطلعة وفي اخري بدت وكأنها التقطت في محفل خطابة ، إستيقنت نفسي ما كنت احدس ، مات (حسن) ، تقلبت في مرقدي ، لسع ما فك خمول هدئتي ، تسلل دمع من عيني ، لذع حريق تمدد داخلي ، احساس بالالم شاع حوالي ، دفنت راسي علي الوسادة اطلق زفر مشوب بالنشيج ، بكيت ونحت ، اسد فمي بالوسادة ، اتشرب الدمع الذي غسل وجهي ، انقلبت اواجه جدران الغرفة عند مقام السقف ، سيل ذكريات واطياف ذكري تقيم الرجل امامي ، بجسده الضئيل وابتسامة ترتخي وتتدلي علي ملامحه فلا يسحبها وانما يسحبك اليها بهيئته المحايدة تلك ، اذكره منذ اول ايام لقائي به ، حينما تيقنت فيه تفسير مفردة ان فلانا (وديع) كان البطري وديع بشكل مربك ، لي فظاظة تتكسر قساوتها امام من تكسوه الوداعة والتهذيب لذا سريعا ما كنت من مقام (الصديق ) عنده ، زاملته وعايشته في اكثر من صحيفة يكتب بذات السمت الذي يعيش به في حياة اقامها بين الادب والثقافة وحتي حينما يغشي السياسة فانه يديرها بين عروض الشعر واسانيد الادب ، حينما اعتل علته الاخيرة لا اخفي اني اشفقت عليه وقدمت حزني ، قلت لنفسي (حسن) اكثر رقة من قدرته علي معافرة غاشية المرض ، البطري لا يملك لؤم اعتراكات النوائب ولو كانت اقدار الرجال حتمية ، تحاشيت ان أزوره ، عاتبني ذات حين سرا قال ساموت يا محمد ، قالها بلا اكتراث وهو يعيد بناء سطر علي مقال كان يرص فكرته ، قلت جهرا ان بطبعي ضعفا أتجنب بسببه مواطن وجدي علي من احب ، قال اتنعيني يا محمد قلت ، لا انعيك ، اذ لم يعد للموت عندي الا مقام الواقعية الجرداء بيد اني لم اقف لليوم علي أحتواء لسد ثقب من يعبرونا من قلوبنا اليه ، قلت يا (حسن) اعتراض الناس بالاحزان علي نفاذ الاجال ليس خروجا علي نص المشيئة ولكنه ولوجا لحقيقة ان عزيزا قد خرج عن صفنا الممتد ، صف عموم الحياة ، والسعيد من يفارق او يبقي وهو حاضر في اختلاجات التفاصيل ووسوم الذكري اليوم وقد مات الاستاذ (البطري) اقر واعترف بأن انسانا (طيب) قد طوي اثره في الثري ، سيكتب العشرات مراثي جميلة ، تكتحل بهيبة الحديث سيكتشف ربما ان كشف عنه غشائه انه ودع بدموع حارة ومآقي محمرة ، وكلمات نضيرات ، تقوم مثل الازاهير في احواض البيان ولو اننا كلنا جميعنا تعلمنا فضيلة البوح في الوقت المناسب ، واطلقناه لربما اسهمت كلماتنا في نثر ضوع عرفان تجعل حتي مسارات الجنائز دروب وفاء .... محمد حامد جمعة