في هذا التاريخ تجتمع الجمعية العامة للحوار الوطني في هذا التاريخ، إما أن يُكتب ميلاد جديد للسودان، أو تُكتب بداية النهاية لدولة كانت تعرف بالسودان، والذي يكتب أياً من الشهادتين هم أبناء السودان وبكامل قواهم العقلية مع سبق الإصرار والترصد، في الحالة الثانية في اجتماع السادس من أغسطس لا يقبل إلا احتمال واحد هو نجاح هذا اللقاء، وبذلك يُكتب ميلاد جديد للسودان. الأزمة السودانية في غاية التعقيد، وأول بداية حل هذه الأزمة هو الإقرار بوجودها أولاً، ثم الإقبال عليها والتعامل معها بعقل مفتوح، ومن ثم الإحاطة بكل المعطيات والتعامل مع كل هذه المعطيات مهما كان حجمها. إذا فشل اجتماع السادس من أغسطس، يعني ذلك أننا جميعاً قد وضعنا قدمنا على حافة الهاوية، والتي مالديها من قرار، حيث يسجل التاريخ أنه كان هناك وطن اسمه السودان أضاعه بنوه لقصر نظرهم. وعلى الرغم من أن معظم توصيات الحوار متفق عليها، إلا أن الشيطان سوف يكون حاضراً في التفاصيل.. وعلى الرغم من أن الحوار الوطني قد قتل القضايا بحثاً في لجانه المختلفة، إلا أن هناك معطيات مهمة لا بد أن تكون حاضرة في أذهان عضوية الجمعية العمومية التي سوف تجتمع في يوم 6أغسطس منها: أولاً: هناك حكومة قائمة بغض النظر عن كيفية وصولها للسلطة، هذه الحكومة لها عضوية لا يستهان بها، ومرتبطة بها بشكل أو بآخر، بعضها مرتبط بها فكرياً والبعض مرتبط بها مصلحياً وآخرون مرتبطون بها عبر الرابط السوداني (الملح والملاح). أدركت الحكومة وعبر رئيسها الأزمة السودانية، وأدركت كذلك عجزها عن بسط الأمن والإستقرار في كافة أنحاء القطر، وبغض النظر عن أسباب عجز الحكومة في تحقيق الأمن والإستقرار، ومن الذي كان وراء ذلك، إلا أنها لم تستسلم ولم ترفع الراية البيضاء، وأنها مازالت القوة الأساسية في السودان، وأن كل المواجهات الجدية مع المعارضة كانت الكفة راجحة لصالح الحكومة، بل كان حسمها لهذه المواجهات بصورة مذهلة، وكان ذلك واضحاً في المحاولتىين الجادتين والمحضر لها تحضيراً جيداً ومدعومة دعماً لوجستياً ومالياً واستخباراتياً من الخارج، في محاولة حركة العدل والمساواة غزو أم درمان، وفي احتلال القوى المعارضة لأبي كرشولا، فقد حسمت القوات الحكومية الواقعتين لصالح الحكومة وفي زمن قياسي، ولذلك لكي يتم نجاح اجتماع السادس من أغسطس لابد من التعامل مع هذا الواقع، وأخذه جزءاً من الحل. فأي حديث يحتوي على مفردات مثل التفكيك والإقصاء والأزمة والإحلال والإستبدال، يزيد المشكلة تعقيداً ويسوق الناس نحو الهاوية، وأن من يقول بهذه المفردات، إما أن يكون يسعى لاستدامة الأزمة السودانية، وأن يكون ضيق الأفق أو يقدم المصالح الشخصية والحزبية على مصلحة الوطن، فلا يعقل أن تقوم الحكومة بنفسها بتحقيق أهداف المعارضة التي فشلت في تحقيقها باستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة. ثانياً: في المقابل لابد من أن تدرك الحكومة أن السودان قُطر مترامي الأطراف، ولكي تحقق الحكومة بمفردها الأمن والإستقرار في كافة أنحاء السودان، فلابد أن يكون لديها من القوى النظامية أضعافاً كثيرة للقوة الموجودة حالياً، والتي تحول امكانات السودان دون تحقيق ذلك، فلابد أن تدرك الحكومة أن الإستقرار لكل السودان لن يتحقق إلا برضا أبنائه، ولن يتحقق الرضا لأبناء السودان إلا بحل كافة المظالم التي لحقت بكل مجموعة، وأن يشعر الجميع بأنهم متساوون في هذا الوطن من حيث الحقوق والواجبات والإلتزامات والغنائم إن وجدت!!! ثالثاً: على الرغم من أن هناك جانباً كبيراً من المجتمع الدولي داعم لعملية الحوار مرجحاً كفة الحكومة، إلا أننا لابد أن ندرك أن المجتمع الدولي تتميز حلوله ومقترحاته دائماً بالسيولة والميوعة.. وذلك لعدة أسباب منها: 1/ نجد دائماً أن مايسمى بالمجتمع الدولي يسعى من خلال تلك الحلول لتحقيق مصالحه وأجندته الخاصة. 2/ إن نجاح المجتمع الدولي في حل المشاكل عن طريق التفاوض محدود جداً، فمعظم الصراعات التي دخل بها المجتمع الدولي كانت نهايتها كارثية، ولم يزد تلك الصراعات إلا تعقيداً والأمثلة ماثلة الآن أمامنا، إذا كان في جنوب السودان أو في سوريا أو في ليبيا وغيرها من الأماكن التي يضيق المجال لذكرها. 3/ إن تَدخُل المجتمع الدولي في الحوار يؤدي إلى تطاول أمد الحوار وأمامنا الأمثلة كثيرة، مقارناً بالحوار السوداني الذي تم في 4 شهور. 4/ إن مايسمى بالمجتمع الدولي نظام قائم على معادلة المنتصر والمهزوم، وإن حلوله دائماً تكون اتفاقات استسلام أو عقد إزعان، وليس هناك مفردات عميقة فيما يتعلق بحل الصراعات بصورة عادلة أو بواسطة وسطاء محايدين. رابعاً: هناك قوى عديدة في المحيط الخارجي والإقليمي لا ترغب أصلاً في حل الأزمة السودانية، ليس هذا فحسب، فإن هذه القوى كانت دافعة وعاملة ومخططة تخطيطاً استراتيجياً لبلوغ السودان لهذه الحالة، وهي تسعى بصورة جادة وقوة لتجزئة السودان إلى دويلات.. لذلك هذه القوى لن تألوا جهداً في وضع المتاريس والعقبات لإفشال هذا الحوار، وربما تكون إحدى الأدوات ما يسمى بالمجتمع الدولي، حيث تستخدمه هذه القوى لتحقيق أهدافها. خامساً: هناك قوى إلى الآن ممانعة ولم تشارك في الحوار، بعضها كان سبب الممانعة عنده هو الإختلاف الأيدولوجي، وكانت المعادلة بينها وبين الإنقاذ صفرية، نعتقد أن هناك تغيراً كبيراً في الإنقاذ وفي هذه المجموعات، كذلك نأمل أن يتسامى الجميع على مرارات الماضي، وتُقدم مصلحة الوطن من كافة الأطراف، وتتم التنازلات من هنا وهناك، وذلك لأن الخراب والدمار إذا حدث فلن يستثني أحداً. بعضاً من هذه القوى الممانعة ربما تكون ذات ارتباط بقوى خارجية لتحقيق أجندة خاصة.. وكذلك آن لهذه القوى أن تفكر ولو مرة واحدة في مصلحة السودان، وعلى الحكومة والقوى المشاركة في الحوار أن لا توصد الباب في وجه من يريد الدخول، والإستماع له وترك مساحة للإضافة والحذف، وأجزم أنه لن تكون هناك إضافة جوهرية لمخرجات وتوصيات الحوار. مع الأخذ في الإعتبار أن تحقيق الإجماع صعب المنال، إن لم يكن مستحيلاً، ولذلك ومع استبعاد عبارة (الحوار مع من حضر) يتم تنفيذ التوصيات بجدية والذي سوف يكون حافزاً لمن تخلف بالحضور واللحاق بقطار (الأمن والإستقرار). سادساً: هنا حديث يدور عن ضمان انفاذ التوصيات والإلتزام بمخرجات الحوار من الطرفين حكومة ومعارضة، وفي تقديري أن هناك عاملين معاً يمثلان ضمان لإنفاذ التوصيات: 1/ أن تقبل كافة الأطراف في يوم 6 أغسطس بقلوب مملوءة بمصلحة الوطن ويتم تقديمها على المصلحة الخاصة والمصلحة الحزبية، وأنه يكون ذلك بالتوقيع على ميثاق يحدد الثوابت الوطنية المتفق عليها، وأن ينص في الدستور على توقيع أشد العقوبات بما فيها الإعدام لمن يقوم بخرق هذا الميثاق. 2/ وجود الرئيس على رأس الحكومة الإنتقالية يمثل أكبر ضمان لذلك، ولا نقصد بذلك الوجود الشخصي للرئيس ولكن بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي الجهة التي ما زالت تحظى بقدر من الإحترام من الشعب السوداني مهما كانت تحفظات البعض، ويحقق وجود الرئيس البشير على رأس الحكومة الإنتقالية ضماناً لأنصار الحكومة الحالية بمكوناتها والأحزاب المتحالفة معها، كما أنه يمثل ضماناً للمعارضة مهما كان رأيها في ذلك، وذلك لأني على قناعة بأن الرئيس أتى لهذا الحوار صادقاً، وسيقف بنفسه على تحقيق مطلوبات المعارضة قبل أن يطالبوا بها. 3/ إن الضمان الدولي لا يزيد الأمور إلا تعقيداً، وإن نجاح ما توصل إليه المتحاورون تم لأنه تم بين السودانيين وعلى الأرض السودانية. سابعاً: هناك سيناريوهات عديدة لإفشال التوافق في يوم 6 أغسطس، ولكن مهما كانت هذه السيناريوهات، فإن حكمة الرئيس وحضوره الكامل ذهنياً وبدنياً كفيل بأن يفشل أية محاولة لإفشال الحوار. ويقع أخيراً على الحكومة العبء الأكبر في إنجاح يوم 6 أغسطس والعبور بالأمة إلى بر الأمان، وذلك لأنها هي المسؤولة الآن عن هذا الوطن، وهي التي استشعرت المخاطر المحدقة بالسودان، وهي التي دعت للحوار.. ومهما يكن من أمر فإن حملة السلاح في ذمة الحكومة، فهم أبناء السودان، وهي المسؤولة عنهم مدنياً واجتماعياً وسياسياً وأبوياً.