ورد في الأنباء أن السيد معتز موسى وزير الكهرباء والموارد المائية، متمسك بإقامة سدود كجبار ودال والشريك، مشيراً إلى تفاؤله بقبول أهالي تلك المناطق إقامة هذه السدود، منوهاً بمقدرة الحكومة على اقناع المواطنين بالحوار معهم، ووصف الوزير الاحتجاجات على إقامة السدود بأنها أمر طبيعي (لأن أي شيء بيتعوض إلا مسقط الرأس)، ونحن على يقين بأنهم سيوافقون وستحفظ حقوقهم كما قدم غيرهم من تضحيات بأراضيهم لصالح استخراج البترول السوداني. ببساطة شديدة أنت يا سعادة الوزير - مع كامل احترامنا لك - تنظر إلى مسألة السدود هذه نظرة سطحية جداً، باعتبارها (مسقط رأس)، وأن التعويض المادي المجزي يمكن أن يجبر الضرر العاطفي المترتب على مغادرة مسقط الرأس، فأنت لا تنظر لهذه المساحة من الأرض إلا بمنظار أنها (حتات) أرض يمكن بيعها بالمتر المربع، كتلك المناطق التي ضحى بها أصحابها لاستخراج البترول، متناسياً يا سعادة الوزير أن هذه الأرض غالية جداً جداً، بل إنها لايقدر ثمنها بمال، بما تحتويه من إرث حضاري يضم كل آثار دولة الفراعين النوبة التي أنشئت في القرن الخامس قبل الميلاد، وهي بذلك أنفس من كنوز الأرض ذهباً، ومداخيل كل دول العالم مجتمعة. إنك ياسيادة الوزير لاتدري ما قيمة هذه الأرض، فأنت قد أغرقت بإقامة سد مروي آثار الفراعين النوبة حتى الشلال الثاني، حيث لم يعد هناك حتى بصيص أمل في انقاذ هذه الكنوز، بعد أن غمرتها المياه، فإذا أقمت هذه السدود فأنت ستقول لكل آثار الفراعين النوبة في الكرو وكريمة ومروي والبجراوية ونوري (وداعاً أيتها الأصنام) وستقضي على كل إرث حضاري متبقي للنوبة، وستطمس هويتهم في الأرض السودانية كأنهم لم يكونوا أصلاً، فلماذا كل هذا الحقد على التراث النوبي بدءاً من حكومة عبود والخطأ التاريخي في الموافقة بإقامة السد العالي والتضحية بالآثار الكبيرة والكثيرة في مدينة حلفا بدون ما ثمن!! ثم التضحية بآثار غالية لأجدادنا الفراعين السود، بإقامة سد مروي الذي غمر الأرض حتى الشلال الثالث، ثم إذا قامت هذه السدود ستقضي على بقية الآثار النوبية حتى الأراضي المتاخمة لولاية الخرطوم . هل فهمت أيها الوزير أن هذه الأرض كم هي نفيسة وغالية ويصعب تعويضها؟ هل لاحظت سيدي الوزير أن ميزانية السودان كلها عاجزة عن تعويض متر واحد من هذه الأرض، وليتك أنتجت كهرباء ! فإن سد مروي يُعد أكبر أكذوبة في التاريخ الحديث، صرفت في بنائه ما يقارب الثلاثة مليارات دولار، ومازالت المصابيح مطفأة، ومازالت كهرباؤنا أغلى كهرباء في العالم، ومازلتم تشترون كهرباء من الخارج لسد العجز في الكهرباء، بعد كل (ما كسرتم به رؤوسنا) من أنه أعظم سد في العالم.. أهلاً أهلاً أهلاً. سيدي الوزير إن هذه الأرض التي تريد أن تمسح بها كل آثار النوبة الفراعين لأغلى من كل ما تتخيله من دراهم زائلة لجبر الضرر المترتب على إغراقها، فارفع يدك عن هذه السدود وخطط للاستفادة من الطاقة الشمسية المتوفرة والمجانية، ودعك من أوهام موافقة السكان على إقامة هذه السدود باغراءات مالية، فإن هذه السدود – إن قامت فلن تقوم إلا على حضارتنا وإرثنا التليد، ووجودنا التأريخي كأمة سودانية لها حضارتها وآثارها العظيمة.