التسوية قادمة، اليوم توقِّع قوى نداء السودان على خارطة الطريق.. لكن أفيدونا، أفادكم الله : كم من الوقت تحتاج خارطة الطريق، حتى تصبح طريقاً، وماهي ضمانات الالتزام بتلك الخارطة..؟ المصالحة بين النظام الحاكم والمعارضة، ليست جديدة.. هذا فعل يتكرر كثيراً.. ففي رحاب الاتحاد الاشتراكي العظيم، كان بطل المصالحة، دون منازِع، هو بطلها الآن.. هذا البطل يدخل اليوم تحدي تحطيم أرقامه القياسية في مساجلة الإنقاذ ، لكونه مهر معها من قبل اتفاق جيبوتي، وطبّع معها علائقه إلى درجة أنّه زجَرَ بعنف عضويته الطلابية المُجانِفة عندما أصرّت على المقاومة ، قائلاً لهم: "الباب يفوِّت جمل"، ثم عاد وقرر مهاجمة القابضين على جمرة إسقاط النظام، بمشروع التعافي الوطني..إلخ.. هذه الحلقة المُفرغة تدور منذ لقاء نميري في بورتسودان، في يوم "سبعة سبعة، سنة سبعة وسبعين"،حين فارق الرفيق رفاق دربه، حين باع زعيمهم الشريف حسين الهندي، وكرر ذات الفِعل مع رفاق التجمع الوطني الديمقراطي.. ومن غرائب الصدف، أنه كلما اقترب من الرئاسة، فارق على عجل إلى القاهرة حيث ينتظر هناك تقاطر الأجاويد، المصالحة ليست جديدة، وليت غنائمها تستحق هذا التكرار وذاك الانحدار.. السلطة التي وقّعت على خارطة الطريق، إلى جانب توقيع ثابو أمبيكي، تنتظر توقيع المعارضة، الذي سيتشكل منه اصطفاف مريح جداً للحزب الحاكم. السودانيون ملح الأرض، أعيتهم الحيلة، وطحنهم الغلاء، وتضرسهم التصريحات.. السياسة أصبحت حِرفة لا تستفيد منها إلا طبقة القيادات التي لا تستقيل ولا تتقاعد، لأن بهاء تلك الحِرفة و" لَحْوَساتها" في البقاء على الكرسي، مامعنى أن ترفض خارطة الطريق، ثم تعود وتوافق على ذات الخارطة، دون تغيير نقطة أو شولة فيها..؟ هل تتحقق - مثلاً - في لقاء اليوم، متطلبات الحوار المتكافئ..؟ الإمام الأكبر ورَّث حفيده، الحفيد يجهز ابنه للتوريث.. من يُفهِم هؤلاء، أن هذي بلادنا، وأنها ليست ملكاً لهم..؟ متى تنفك هذه البلاد من عُقد الورَّاث..؟ هذا الرجل كان يجب أن يعودَ منذ وقت طويل، عندما كان ينتظر إشارة الجهات العليا بخطّة العودة.. كان يجب أن يعود بموجب توجيه من جهة القصر، ولمّا تأخر، أبدت الثورة غضباً عليه... كان عليه أن يعود قبلاً، ويتجنّب هذه العودة الجماعية، التي لن تدعه، يشرب أضواء الكاميرات بِمُفرده..! الإنقاذ والإمام، أبناء مرجعية واحدة.. الإنقاذ والإمام، قادران على إدارة صفقات ناجحة تخصهما.. للحصول على فهم عميق لهذا التحالف، أوصيك بقراءة كتاب د. حيدر إبراهيم :"التجديد عند الصادق المهدي"، ففيه شواهد على تسلُّق الاقطاعي، ومقدراته أن يكون دوماً فوق السطح، ولا يغرق أبداً.. بقية الباصمين على خارطة الطريق، ليس لهم في الأمر من شيء، بيد أن الصلح خير.. وقِّعوا يرحمكم الله، لكن تدبروا طريق العودة، مثلما فعل مني أركو مناوي من قبل.. مثلما فعل الإمام نفسه، بعد اندراجه حضوراً في فاتِحة حوار الوثبة..! التغيير - يا سيدي - يظل حلماً بعيد المنال، في ظل حكم الصّارِف على القابِض.. التغيير لا يمكن أن يأتي من قائد أبطل مفعول حزبه.. التغيير لن يتأتى في ظل غياب القائد الذي يتقدّم الصفوف.. يتكبّد الإمام في هذه المرحلة، عناءً من النوع السِّنْدِكالي.. سيظل أكثر التصاقاً بالأخوان وبهذا المِيس، المنقوش جانبه.. من أجل هذه العودة التي اقتربت فصولها، ابتعثت الإنقاذ الى القاهرة خلقاً كثيراً، وآخرين من دونهم، الله يعلمهم.. عمّا قريب، السندكالي ينوم قفا، ويمدح المصطفى.. وبركة سلامة.. لا تنسَ يا سيدي، عند بلوغك صالة المطار، المبللة برذاذ المطر..لا تنسَ تذكيرنا، بأن العودة إلى أرض الوطن، قد تحقّقت، بموجب قرار حزبي..!