٭ ينتقل بنا المؤلف -إين جونسون- ابتداء من صفحة (200) إلى بدايات التعامل المباشر مع مندوب الجماعة سعيد رمضان والأمريكيين، إذ كانت المناسبة الأولى التي جمعت بين رمضان والمسؤولين الأمريكيين، بمستوياتهم المختلفة قد جرت في صيف 1953.. حينها تلقى البيت الأبيض طلباً عاجلاً مفاده قدوم (إسلاميين بارزين) الى جامعة برنستون لعقد مؤتمر إسلامي( فهل للرئيس الأمريكي أن يلتقيهم؟.. في البدء بدأ متعذراً حدوث لقاء كهذا نظراً لتغييب الرئيس آيزنهاور عن نيوجيرسي.. إلا أن( أبوث دوشبورن) نائب مدير الوكالة الأمريكية للمعلومات ومسؤول الاتصال بالبيت الأبيض، كان قد أورد الأولوية التي يوليها آيزنهاور للدين في حياته الخاصة، وكذا في استراتيجيته الجيوسياسية.. تذكرون الإشارة سابقاً الى مذكرة (إدوارد ليللي) للرئاسة حول ضرورة استغلال (العامل الديني) وتفوقها الروحي في الحرب الباردة .. فأصبح الشعور العام أنه يجب على الولاياتالمتحدة اقتناص فرصة كتلك التي يهيئها مؤتمر برنستون. * بعث دوشبورن بمذكرة الى تشارلس جاكسون مايسترو (الحرب السايكولوجية) التي تبناها آيزنهاور.. أبلغه فيها أن المؤتمر ممول من قبل الوكالة الأمريكية للمعلومات، ووكالة المعلومات الدولية التابعة لوزارة الخارجية وجامعة بريستون ومكتبة الكونغرس، أو كما شبهها دوشبورن ب)خلية رباعية الأبعاد للهيمنة على العالم الإسلامي) .. وأن النتيجة المرجوة وفقاً لدوشبورن فكانت (أن تترك القوة الأخلاقية والروحانية لأمريكا لدى الحضور من المسلمين انطباعاً إيجابياً ناجزاً).. أما البيت الأبيض فكان متردداً.. فعمد دوشبورن الى محاولة أخيرة، إذ أورد إن آيزنهاور كان مؤمناً بضرورة أن تبرز الولاياتالمتحدة تفوقها الروحي على الاتحاد السوڤيتي.. وقال في مذكرته لجاكسون (إن أولئك الذين أزمعوا عقد مؤتمر إسلامي- يقصد رمضان وصحبه- يمكنهم ترك انطباع هائل بعيد المدى على التفكير الإسلامي، بل قد يفوق تأثيرهم طويل المدى تأثير القادة السياسيين في بلادهم.. وهنا وافق البيت الأبيض على انعقاد (المؤتمر الإسلامي، وبعدها بثمانية أيام.. أخذت الدعوات الى حضور المؤتمر تترى.. كذا، فقد دون موعد اجتماع الرئيس آيزنهاور بأعضاء المؤتمر في روزنامة اعماله (32 سبتمبر 1953) الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً.. وتم تدوين اسم سعيد رمضان مندوب جماعة الإخوان المسلمين ضمن الحضور. * حرص الأمريكيون ومنظمو المؤتمر على إعطاء الإنطباع بأنه (ممارسة ثقافية وتعليمية) بحتة، أما الهدف المعلن (فقد كان الترويج ل (النهضة إسلامية) والذي بناء عليه تم جمع الأموال- وفقاً للقوانين الأمريكية من الجهات ذات الصلة- أما مشاركة رمضان- بوصفه ناشطاً سياسياً اخوانياً- فقد أثارت بعض المشكلات القانونية، وتم أخيراً الالتفاف والتغلب عليها بتوفير التمويل الخاص به عبر (شركة ارامكو) للنفط، التي تكفلت بنفقة الانتقال، كما تكفلت السفارة الأمريكية في القاهرة بالتوصية على حضور رمضان لذلك المؤتمر، بعد أن بعثت الى واشنطن بطلب تأشيرة له مع سيرة ذاتية جرى (تهذيبها) لتستجيب للإجراءات الروتينية المطلوبة لمنح التأشيرة. * على مدار عشرة أيام انعقد المؤتمر الإسلامي في جامعة برنستون، قدم المتحدثون خلاله أبحاثاً تناولت التعليم والشباب والفنون والإصلاح الاجتماعي.. وكان المؤتمر ممتداً فسيحاً متمهلاً.. ما أتاح وقتاً كبيراً لمناقشات مطولة عميقة، فضلاً عن جلسات سمر وتعاون ضمت المشاركين.. وانتقلت أعمال المؤتمر من نيوجيرسي الى العاصمة واشنطن، لينتهي بلقاء الرئيس آيزنهاور المشاركين ومن بينهم سعيد رمضان. ٭ ويسجل المؤلف، إين جونسون، ملاحظات حول مشاركة رمضات قائلاً: إن الشواهد قد أظهرت أن رمضان لن يكون (حليفاً سلساً) لين العريكة.. فوفقاً لتحليل لوكالة الاستخبارات المركزية أجرته عقب انفضاض المؤتمر : أظهر رمضان )كمشاغب ومحرض سياسي(، وأنه قد دعي تحت الحاح من السفارة المصرية في واشنطن.. ذلك الرجل الذي مثل العنصر الأكثر صعوبة في التعامل خلال المؤتمر نظراً لاهتمامه ب (الضغوط السياسية لا المشكلات الثقافية)، بما في ذلك (طرد المحتل البريطاني عن مصر). ٭ وحتى نختم هذا العرض الموسع لكتاب إين جونسون حول مسجد ميونيخ، فمختصر القول إن سعيد رمضان الذي انتقل من إقامة قصيرة في عهد الفريق عبود من السودان ليستقر في سويسرا، قد أصبح دائم التنقل بين جنيفوميونيخ ، واستطاع تجنيد الطلاب العرب والمسلمين في العديد من الجامعات الألمانية، بما مكنه في نهاية الأمر من السيطرة على لجنة بناء المسجد، مستفيداً من أصوات الطلاب، ومن دعم بعض الدول العربية لأنشطته في المؤتمرات والتجمعات السياسية لتوفير التمويل.. وتحويله إلى قلعة انطلاق لأنشطة الجماعة في الغرب، خلافاً لرغبة الألمان الغربيين أصحاب مشروع المسجد. ٭ إنه كتاب جدير بالقراءة لكل مهتم بالتاريخ وبسيرة ومسيرة جماعة الإخوان عبر الحقب والأزمان. *تصويب: ورد خطأ طباعي في الحلقة الثامنة حول زيارة سعيد رمضان لمكتب بروفيسور غرهارد كيكل، حيث ورد أنها كانت في مارس 1965 والصحيح هو مارس 1956، تلك الزيارة التي كانت بمثابة إطلالة الإخوان على ألمانيا وأوربا والغرب.