التباعد في المواقف التفاوضية للحركة الشعبية قطاع الشمال بالحكومة جعل شيطان التفاصيل يقفز من مرقده ليسد الطريق أمام تحقيق اختراقات في الملفات العالقة بين جسر الثقة المتهالك بين وفدي الحكومة والشعبية في ظل الاتهامات المتبادلة بينهما حول تمترس كل طرف بموقفه تجاه المطروح. بيد أن الحكومة سعت إلى تعبيد الطريق إلى المسارات الإنسانية من خلال الممرات "الميرية"، لكن الحركة الشعيبة سارعت الخطى لإنفاذ ملامح خططها نحو قضايا المنطقتين وفق مقولة حليفهم الإمام المهدي " الفشة غبينتو خرب مدينتو"، والتعنت الذي أبدته بالتخندق حول تحديد ممرات أخرى خارج نطاق المراقبة الحكومية لإدخال المساعدات إلى المنطقتين بجانب تمسكها بعدم تحديد نقاط تواجد قواتها ما يجعل شيطان التفاصيل يحط رحله حول اعتزام الشعبية في الشروع نحو انتزاع سيادة المنطقتين من قبل الحكومة المركزية عبر بوابة الإغاثة. لكن الحكومة على لسان مساعد رئيس الجمهورية رئيس وفد التفاوض إبراهيم محمود سعت إلى قفل الباب تماماً في وجه الحركة لأي خطوات للتقليل من السيادة الوطنية عبر الاتهام الذي كاله محمود لسعيها لتكوين دولة في المنطقتين من خلال نيل اعتراف مباشر بسيادتها على المناطق التي تتواجد فيها من خلال منح الأذونات لطائرات الأممالمتحدة العاملة بالإغاثة رغم التنازلات التي قدمتها الحكومة لإكمال اتفاقية خارطة الطريق. دولة داخل دولة وبالمقابل سعى عضو وفد الحكومة المفاوض جمعة بشارة أرور إلى وضع أياديه على مكامن الألم بتجريم الحركة الشعبية عبر محاولاتها أخذ حق غير مشروع لديها من خلال تخفيها خلف غطاء المنطقتين، وأشار أرور ل (آخر لحظة) بأن عمليات التلميح والتلويح التي خرجت من قادة الشعبية تجاه المنطقتين تؤكد جلياً رغبتها في انتزاع سيادة خاصة لها بالمنطقتين عبر سياسة الضحك على «الدقون» التي تطرحها عبر مماطلتها لإنهاء ملف المساعدات الإنسانية وتحديد المسارات ويمضي أرور ليدق ناقوس الخطر محذراً الحكومة في هذا الصدد من مغبة النوم في العسل وترك الملعب للحركة لإحراز أهداف في شباك الحكومة عبر كرة المساعدات ما يفضي بها في نهاية المطاف إلى إعلانها للسيادة علي المنطقتين، وفي ذات الاتجاه سار المدير الأسبق لجهاز الأمن الوطني القيادي بالوطني د.قطبي المهدي إلى أن الحركة الشعبية تريد إصباغ السيادة على المنطقتين وجعلها مناطق محررة، ويشير قطبي بحديثه إلى أن ما يتمخض عن ذلك من إفرازات سياسية وأمنية يجعل تصنيفها بأنها دولة داخل دولة. * سيادة الدولة ويرمي الخبير أبوبكر عبد الرازق سهمه في معركة المنطقتين والسيادة المنشودة للشعبية عليها بالقول إن القانون الدولي حدد سيادة الدول وفق التعهدات الدولية المتعلقة بالسيادة الكاملة لها، وأردف أن القانون سمى الدولة عبر عناصر الأمة والشعب والأرض والإقليم والسيادة، مشيراً إلى أن مفهوم السيادة ينتقص حينما يتنزع عبر الأطر السياسية، ويعتبر أبوبكر أن الحركة الشعبية عبر تطلعاتها بحكم المنطقتين تقحم نفسها في موازنات سياسية ذات أبعاد قانونية لاعتبار أنها تمثل جزءاً من شعب الإقليم بكردفان، وفي ذات الوقت هي جزء من الحرب الدائرة الآن مع الحكومة، لكن أبوبكر يرمي بالكرة في ملعب الحكومة حينما يشير إلى أن الحكومة يقع عليها عبء المحافظة على سيادة الدولة وبسط هيبتها على الواقع حتى لا تلدغ مرتين من جحر الشعبية، في إشارة منه إلى عمليات شريان الحياة التي كانت تمد المتمردين بالسلاح عبر طائرات الإغاثة الدولية. * فرض السيطرة ويرجح القيادي البعثي محمد ضياء الدين مساعي الشعبية لانتزاع سيادة للمناطق التي تسيطر عليها لانعدام الثقة المتوفرة بينها والحكومة فيما يتعلق بمسار المساعدات الإنسانية بجانب تخوف الحركة من استغلال الحكومة للمسارات عسكرياً وبث أعين الأجهزة الأمنية خلالها لضرب مواقع الحركة دون وجود ضمانات تُعطى كصك للحركة بأن المسارات لتقديم الغذاء والدواء للمتضررين ليس إلا. وفي ذات المضمار قفز المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية بالإسلامية د.راشد التجاني بحديثه إلى أن التصريحات التي خرجت من حناجر الحكومة في توجيهها الاتهامات للشعبية بمحاولة فرض سيطرتها على المنطقتين أتت من باب الضغط على الحركة حتى لتسعى نحو طاولة التفاوض. ومهما يكن من أمر فإن الحركة الشعبية عبر تعنتها في إيصال المساعدات عبر المناطق البعيدة من أعين الحكومة تكشف النوايا المبطنة للحركة في العبث بالمنطقتين دون رقيب وإن كانت تطمح خلال تمترسها إلى فرض سيادتها على المنطقتين عبر ورقة الضغط التي تحملها والمتمثلة في المساعدات الإنسانية.