بصراحته المعهودة لم يخفِ الفريق أول ركن مهندس عبدالرحيم محمد حسين استيائه من الأوضاع الإدارية والمالية داخل ولاية الخرطوم في أول خطاب رسمي له بعد تنصيبه والياً للولاية، ولازال مواطن الخرطوم يذكر العبارة الشهيرة التي قالها حسين وهو يتحدث إلى الصحفيين قبل عام ونيف، بأنه جاء إلى الولاية ووجد (الحتات كلها اتباعت)، و قبل أن تختفي آثار العبارة التي رسمت الدهشة على الوجوه أردف أن إدارة ولاية الخرطوم ليست سهلة، فهي مثل (جحا وولده وحماره ) في إشارة إلى القصة المأثورة .. الرجل وعد بتكوين حكومة تكون أقرب لنبض المواطن والشارع بيد أنه لازال محاصراً بأخطأ الماضي، وتخنق ولايته العديد من المشاكل، وربما دفعه الأمر إلى أن يدفع بموازنة العام القادم مبكراً ويودعها منضدة مجلس وزراء الولاية الذي أجازها في مرحلتها الأولى ..لكن السؤال الذي ربما قفز إلى أذهان الكثيرين هل ستقوى ميزانية العام القادم بالعبور بالولاية إلى تحقيق مطالب المواطن ؟ أم أنها تحتاج إلى إسناد في الربع الأول أو النصف الأول من العام ؟ تقرير: أسماء سليمان * رهن عقارات: السؤال ربما تجيب عليه اعترافات عبدالرحيم نفسه في عدد من المناسبات حيث قال ذات مرة أن " المورد الوحيد للولاية كان وزارة التخطيط والتنمية العمرانية، ولكن الحتات كلها باعوها" ولابد من البحث عن مورد جديد، مقراً بوجود أزمات حقيقية في المياه والنظافة والموصلات مع ضعف في الإمكانيات والموارد. هذه الاعترافات وحدها كفيلة بهزيمة الأرقام الواردة في الموازنة لأن الولاية لازالت وحسب ما يتناقل همساً وجهراً رهنت أكثر من (1400) عقار في السنوات الماضية، الأمر الذي يكشف عن عجز غير معترف به في ميزانية الحكومة المخصصة للتنمية، ويبدو أن حكومة الخرطوم السابقة وجدت في رهن العقارات الحكومية طريقاً سهلاً لحلحلة مشاكلها فلجأت إليه ،في سبيل البحث عن تمويل بعيداً عن الحكومة الاتحادية والاستدانة لتنفيذ المشروعات التنموية، ودأبت على ذلك كثيراً، حتى بلغ بها الأمر أن ترهن 1400 مرفق حكومي لصالح مستثمرين ورجال أعمال في مقابل أن وفروا لها على سبيل القرض أموالاً وقروضاً لتمويل مشاريع تنموية وخدمية. * إجازة الميزانية الجديدة: ورغم كل الإشكالات المذكورة آنفاً وفي خطوة شجاعة ربما أجاز مجلس الولاية المؤشرات الاقتصادية الكلية وأولويات وموجهات موازنة الولاية للعام 2017م ووجه المجلس إلى ضرورة أن تعمل الموازنة القادمة على حل قضايا الولاية الأساسية ممثلة في المواصلات والطرق ومعالجة النفايات وإكمال مشروعات المياه وتنمية الريف والتركيز على الإنتاج بتنفيذ مشاريع واقعية تسهم في زيادة الإنتاج بجانب استمرار سياسة وقف بيع الأراضي ووقف كذلك تحويل الأراضي الزراعية إلى أراضً سكنية. *عاصمة صحراوية: وفي أول ردة فعل لهذه الإجازة من خبراء الاقتصاد، قال استاذ الإقتصاد بجامعة النيلين البروفيسور عصام عبد الوهاب بوب إن الخرطوم بها موارد ضخمة، بيد أنها موارد غير مستدامة نسبة لانخفاض دخل المواطن ، الأمر الذي يراه بوب يمثل سلسلة من الآثار أهمها التضخم المستمر و التدهور في القطاعات الاقتصادية، و ينوه بوب إلى أن تدمير القطاع الزراعي بالولاية و تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية يعتبر ضرباً من ضروب السطو على موارد الولاية، الأمر الذي جعل العاصمة تبدو كمدينة صحراوية بالرغم من موقعها بين نهرين، و أضاف أن الزراعة و إنتاجها تخدم الأعداد الكبيرة التي وفدت إلى العاصمة في العشر السنوات الماضية. * مترو الأنفاق: ويحذر بوب في حديثه ل(آخرلحظة) من أن العاصمة أصبحت كالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي وقت، مطالباً بتوفير الاحتياجات الحقيقية للمواطن و لاسيما حلحلة مشكلة المواصلات التي يرى أن زيادة الكباري و استخدام ميترو الأنفاق هي الأنسب لحل أزمات النقل و الازدحام المروري الناتج من الهجرة إلى العاصمة بسبب تردي الخدمات في الولايات ، و قال بوب إن البلاد تحتاج إلى سياسات متكاملة على المستوى الكلي ، راهناً ذلك بالإدارة الحكيمة و الشفافية. ومضى بوب بقوله إن الأهداف التي تحدث عنها الوالى ينقصها بندا تحسين التعليم و الصحة بجانب النظافة، و في الأثناء تخوف من استمرار الولاية في توزيع الخطط السكنية التي تشجع على زيادة الهجرة إلى العاصمة، متوقعاً أن يمثل عدد سكان العاصمة مابين (50%- 60%) من إجمالي سكان البلاد.