٭ في زحمه الحياة وانشغالنا بلقمه العيش، ننسى المنتجين لغذاء الروح والفكر، شريحة المبدعين في بلادي، يمسكون بجمر القضية، يحرقون اللحم عندهم والشرايين والأعصاب والعظام، صديق الحلو منهم، صديق اسم علي مسمى، ولايحتاج لتعريف أو تقديم كثير، يمضي بخطواث واثقه في عالم الرواية والقصة القصيرة، عملنا معاً في صحيفه أخبار اليوم، وأتابع عن كثب نشاطه وإبداعاته الوافرة رغم أن (أغلب) الظروف ليست معه، (صديق) نفسه موضوع روايه طويل لو أجد وقتا، ومالاً و(عده شغل) من التي عنده لفعلت، ولكن، واه من لكن، هذه! ٭ عندما أرى وجه صديق ماثلاً أحس بأن (قوة) ما قد قامت باستحضار (روح) (السودان) أمامي ٭ وهذا ما شعرت به أو أحسست به وصديق يهديني انتاج جديد من همه الرسالي الذي وهب نفسه له، أمامي الآن رواية (أيام الشدو الأخيرة) و(الفصول) مجموعة قصصية وله من قبل (غصة في الحلق) و(امرأة من الزمن الماضي) وحروبات كثيرة، ودروب وعرة ٭ يفعل صديق كل هذا وهو (ماشي) ساكت على درب الله، زول لابس جلابيه ولافي (عميمة) صغيرة و(صرافه الآلي) محصور في المنطقه اليمنى من جيبه (اليمين) فقط لاغير، الجيب (اليسار) يضع صديق به شوية أوراق (مكرفسة) إن فتحتها فإنك لن تخرج منها سوى بخربشات تحمل خططاً لمشاريع كتابيه في شارع القصة، فالرجل الخمسيني الأصلع لا يجيد غير ذلك. ٭ عندما أكون بمعية (الحلو) أتذكر مقولة الطيب صالح (نحن بمقاييس العالم الأول فقراء، وعندما أعانق جدي أحس بأننا أغنياء) ٭ نعم (ملمح) صديق يستحضر روح السودان (الحالي) و(القديم) في كل تجلياته الطيبة الضحكة الصافية، المعاناة، التعب، الحزن النبيل، الأنين، البكاء، والحلم دعوني التقط القفاز. وأديكم (عينة) من إبداعاته ٭ في قصه (حلم) نقرأ الاستهلالية: (السماء ملبدة بالغيوم، الشمس ترسل أشعة تنذر بأحداث جسام، سكون يسبق العاصفة، تبخرت الحقيقه أمام تلألؤ النجوم وشعاع القمر المختبيء تحت ظلال السحب الهاربة) ٭ ده الأسلوب الكتابي عند صديق، ويختارمفرداته بعناية فائقة ..تصوير الطبيعة يتم توظيفه كأرضية أصيلة من البناء العام، وليس كمجرد ديكور (ساكت) ٭ أختي يعاكسها خفير المدرسة المترهل، أخي مريض (بداء غامض)، خطيبتي شوهدت تتأبط ذراع شاب قالت لبعض صديقاتها إنه خطيبها الجديد، رئيسي في العمل مقوس كنصف دائرة تلمع عيناه ببريق عجيب، تأتي أوامره متجاهلة الكون ونواميس الحياة كالنباتات المتسلقة، وهو يتكيف حسب الحجم والشكل ليعطي كياناً متورماً مليئاً بالنتوءات تعافه وتلفظه، وتنجو بجلدك منه، همست لها إن في عينيك شيئا جعلني أهواك صرعني ولم أقوَ على النهوض) ٭ إنها الرساله تبدو جلية، فالواقع يبدو من خلال الغوص في أعماق النفس البشريه بكل تناقضاتها واتجاهاتها وصراعات الخير والشر والحق والباطل