حملت الأنباء خلال اليومين الماضيين أخبار اعتداء غاشم وقع على مستشفى أم درمان تم فيه تحطيم أجهزة ومعدات بالشيء الفلاني، هذا غير الخسائر الأخرى جراء سلوك فوضوي انتهجه البعض نتيجة اهمال تعرض له أحد الشباب ..وفي تقديري أن هكذا حادث ما كان أن يحدث لو التزم الجميع بما يليه حسب حدود مسؤولياته. والسؤال الذي يجب أن يطرح هنا وللمرة الثانية بعد أن تناولت في مقال سابق ذات الموضوع، لماذا كثرت هذه الظاهرة وتحولت بقدرة قادر إلى ظاهرة جماعية كما حدث مؤخراً بعد أن كانت فردية هنا وهناك؟.. وقد ضجت وسائل التواصل بتداعيات الحادث وطفق البعض يتحدث بإسهاب وبمنطلقات عاطفية بضرورة زيادة الكوادر الأمنية بالمستشفيات أو باستصدار قوانين تحمي الأطباء الذين هم بالضرورة محميون بمنطوق المواد القانونية المعروفة للكل والتي تحمي الموظف العام، فلهولاء نقول (ما هكذا تورد الإبل)، فإذا أردنا حل هذه القضية فيجب علينا أن نناقشها بكل شفافية وأريحية وصراحة حتى نضمن عدم تكرارها مستقبلاً، فنحن في أمس الحاجة لتغيير وتطوير مفاهيم العلاقة البينية بين الطبيب من جهة وبين المرضى وذويهم من جهة ثانية . إذن القاسم المشترك لهذا التغيير يكمن في الطبيب، لذا فإن الأمر يحتاج لدراسة متأنية ومتعمقة، لأن عملية الشد والجذب بين مختلف الأطراف بالقطاع الصحي أصبحت السمة الغالبة والظاهرة والتي لا تخفى على أحد، لذلك يجب علينا أن ننأى عن التفكير العاطفي واللحظي وأن نأخذ الأمر بتفكير عقلاني وإستراتيجي يجنبنا تكرار هذه الظاهرة الدخيلة على الأخلاق والأعراف السودانية السمحة، فكل الأطراف شريكة فيما حدث وعلى الدولة ممثلة في وزارة الصحة بشقيها الاتحادي والولائي أن تنتبه لذل، وأن تعمل على غرس قيم وسلوكيات المهنة في نفوس منسوبيها قبل أبجديات المهنة نفسها، وعلى الأطباء أن يتحلوا بميثاق الشرف المهني والذي هو بالضرورة ينطلق من الضمير الإنساني الحي، فالمناداة بقانون يحمي الأطباء أو بزيادة أعداد الكوادر الأمنية بالمستشفيات، هي نظرة قاصرة ولا تنم عن فهم عميق لأس المشكلة، فالقاعدة الأساسية التي بجب أن تتبع (حصنها بالعدل) والمعاملة الطيبة والسلوك القويم والتحلي بروح المسؤولية كلها تدخل من هذا الباب، ولكم إخوتي في وزارتي الصحة أسوة حسنة في مستشفى السلام للقلب بسوبا، والذي يعد من أفضل المستشفيات على نطاق الإقليم الأفريقي والعربي، حيث يعمل هذا المستشفى وفق ضوابط مهنية وإنسانية وأخلاقية ونفسية تكاد تنعدم في باقي مشافي السودان، سواء أكانت خاصة أو حكومية، وفي تقديري يجب أن يكون هذا المستشفى هو النواة التي تنبت مشافي تقدم خدماتها الإنسانية قبل العلاجية، وتعمل على معاملة المريض كإنسان قبل أن يكون حالة كما ينظر لها أطباء اليوم ،حتى نتجاوز قضية الاعتداء على الأطباء والتي أصبحت هاجساً يؤرق الجميع، ونسأل الله أن يكفينا شرها كما نسأله تعالى أن يتغمد برحمته أجيال الأطباء الذين فارقوا هذه الفانية وخلدوا أسماءهم كعلماء أفذاذ يفخر بهم الوطن من أمثال بروفيسور بليل وبروفيسور داؤود وبروفيسور أحمد عبدالعزيز والقائمة تطول .