"الزواج هو أطول وردية حراسة في التاريخ، والرجال هم أكثر المجندين نزوعاً نحو قد السلك ..الكاتبة ..! أجهز الحاج)صديق(على صحن اللقيمات .. رشف آخر رشفة من كوب الشاي قبل أن يهتف في خطورة، وهو ينفض عن جلابيته بقايا السكر المسحون :تعالي يا محاسن اقعدي .. بنتك الكبيرة جاها عريس .. فهمت (سهام) من سياق الهمسات والهمهمات أن (هاشم) زميلها في العمل قد أوفى بوعده تماماً ..! جلس (هاشم) في صالون الحاج (صديق) بين رهط من أهله وذويه، وهو يتشاغل بعد ورود مفرش الطاولة - ثم يخطئ في الحساب في كل مرة ليبدأ من جديد! .. وما أن تحدث كبير وفد الخاطبين طالباً من الحاج (صديق) يد كريمته الكبرى (سهام) لابنهم الكبير (هاشم)، حتى أعلن الحاج صديق موافقته على الزواج ، ثم تنحنح دونما حاجة لذلك وهو يصيح فيهم ضاحكاً "على بركة الله" ..! تنفست (سهام) الصعداء بعد انتهاء خطوة الإمساك بتلابيب العريس لتبدأ في التخطيط للمرحلة التي تليها، وكما دفعت ب (هاشم) دفعاً إلى التقدم لخطبتها كان عليها أن تدفع به للإسراع في ترتيبات الزواج ..! تطلب التعجيل بالزواج أن تشاطر خطيبها في تحمل معظم نفقات الزواج، وأن تتنازل عن بعض المطالب الانثوية المعتادة .. في يوم الزفاف كان كل ما يشغل (سهام) هو أن يتم الأمر بسلام وأن ينتهي ذلك اليوم على خير لتنتقل من "مساطب" العنوسة إلى "عروش" الزوجات المباركات ..! بعد مرور بضعة أشهر، كانت (سهام) تستعد للذهاب إلى العمل في الصباح عندما شعرت بغثيان شديد ومفاجئ، وعندما أخبرت والدتها بذلك ضحكت الحاجة (محاسن) بحبور يليق بالأمهات الخبيرات، ثم أغرورقت عيناها وهي تخبر ابنتها عن علامات "مرض العافية"..! عززت نتائج الفحص الطبي من تكهنات الحاجة (محاسن) وبعد تسعة أشهر جاء (مازن) إلى الدنيا لتشعر (سهام) بأنها قد عملت ما عليها وزيادة، فقد تخلصت من هاجس الزواج و (فك البورة) .. ثم ودعت هاجس الإنجاب وموال (مابقيتوا تلاتة) ..! كان كل ما تنشده سهام هو أن يدعها الآخرون بسلام، و أن تنجو بنفسها من جحيم لقب عانس، وقد نجحت بفضل إصرارها على تحقيق حلمها بتكوين أسرة .. وها هي اليوم زوجة وأم تقليدية، ذائبة في عجينة النساء غير المغضوب عليهن، ولا تحمل لقباً اجتماعياً مخجلاً من أي نوع ..! بعد مرور سنتين على زواجهما، وبعد أن تحقق لها كل ما أرادت، جلست (سهام) تهدهد صغيرها (مازن) وهي تتأمل طويلاً وملياً في ملامح زوجها (هاشم) الذي كان يجلس أمام التلفاز، وهو يحدق بجحوظ في كرة المطاط التي كانت تتنقل خطفاً بين أقدام اللاعبين ..! وبينما كانت ملامح (هاشم) تنقبض وتنبسط وتتلون على نحو مضحك - بذلك التعبير الأقرب إلى البلاهة والذي يرتسم على وجوه الرجال عادة في أثناء متابعة مباريات كرة القدم - ظلت (سهام) صامتة، وهي تفكر لأول مرة، في الثمن الكبير والباهظ جداً لفكرة الزواج من أجل الزواج ..