من المحزن والمخزي حقاً أن ينجح الأعداء بين الفينة والأخرى في تأليب بعضنا ضد البعض الآخر خدمةً لأجندتهم واستراتيجياتهم، وكأنه كُتب على أمتنا أن تظل في حالة دائمة من التنافر والتدابر والقطيعة والبغضاء، في الوقت الذي يتعاون فيه أعداؤنا ليوقعوا ببلاد المسلمين الواحد تلو الآخر. وليست الكارثة هي في نجاح الأعداء في تسليط بعضنا ضد بعض، بل في نجاحهم باستخدام أهم عامل يفترض فيه أن يعمل على جمع شتات هذه الأمة ولمِّ شملها وتوحيد كلمتها وهو الإسلام. من المفجع حقاً أن نرى أن هؤلاء الأعداء قد نجحوا في أن يجعلوا من الإسلام عاملاً لتمزيق هذه الأمة، ووسيلة لتفتيتها وتقسيمها إلى طوائف ينفي بعضها البعض، ويقتل بعضها البعض، خدمةً لأهدافهم ومصالحهم. فالناظر إلى حال المسلمين اليوم يرى، وللأسف الشديد، أن أهل تلك الديانة العظيمة والإرث التليد قد تحولوا إلى مجرد طوائف متفرقة وجماعات متناحرة وظيفتها أن تلعب الدور المكلفة به من قِبل الأعداء لخدمة أهدافهم الرامية لوأد الإسلام واستعباد أهله ونهب موارده وخيراته. وليت الأمر اقتصر عند هذا الحد، بل نجح الأعداء في أن يسخِّروا الكثير من علماء الأمة وقادة الفكر فيها، وهم الذين كان يعول عليهم أن يكونوا صمام أمان هذه الأمة، ودرعها الواقي من الانقسامات والتشرذم، نجح هؤلاء الأعداء في أن يسخروهم لخدمة أهدافهم ومصالحهم الخاصة، وحولوهم إلى علماء (عملاء) دين إسلام روسي وعلماء دين إسلام أمريكي(). وكانت الفاجعة أن أصبح هؤلاء العلماء، والذين كان يفترض بهم أن يعملوا على رتق ما تمزق من جسد هذه الأمة، وتضميد جراحها، والعمل على لم شملها وتوحيد راياتها، عاملاً أساسياً من عوامل إضعاف الأمة وكسر شوكتها بزرعهم للفتنة، وتوغيرهم للصدور، وبثهم للفرقة والشتات، وإحداثهم للمزيد من الانقسامات والصراعات المفتعلة بين مكوناتها. هذا الدين العظيم الذي نجح في توحيد الأوس والخزرج وتجاوز بهم ما كان بينهم من أحقاد ومرارات، هذا الدين العظيم الذي وحّد الجماعات والقبائل التي دامت بينها الحروب لعشرات السنين لأتفه الأسباب، كما في حرب داحس والغبراء وحرب البسوس، هذا الدين العظيم الذي نجح في أن يجعل للعرب أمة ويتجاوز بها الجغرافيا والعنصرية الضيقة إلى رحاب العالم أجمع وإلى الإنسانية كافة، مؤسساً لهذه الأمة حضارة كانت القائدة والمنقذة للبشرية، وسبباً في فتح كل آفاق العلم والمعرفة لعالم اليوم، هذا الدين العظيم وبكل هذه الشموخ والجلال والتاريخ المجيد استطاع الأعداء أن يجعلوا منه أحد أهم عوامل زرع الفتنة والفرقة والتشيع والتشرذم بين معتنقيه من أبناء أمته الواحدة()!!! هذه المقدمة الحزينة كان لا بد منها كخلفية تسبق الحديث عن المؤتمر (المؤامرة) الذي عقد في عاصمة الشيشان غروزني، يوم الخميس 21 من ذي العقدة 1437ه، الموافق 25/8/2016م، تحت عنوان (من هم أهل السنة والجماعة)، هذا المؤتمر الذي أعِدّ زماناً، ومكاناً، وتمويلاً، ورعايةً، وعضويةً، بعناية فائقة ليرى ويخدم أهداف محددة سابقة التخطيط. هنالك الكثير من الذين تم استخدامهم بواسطة أعداء هذه الأمة للقيام بأعمال تبرر الحرب المباشرة والتدخل المباشر والتدخل العسكري في الدول الإسلامية، ومعظم من قام بهذه الأعمال تم استخدامهم بصورة غير مباشرة، وقد لا يعلم الكثيرون منهم بهذا الاستخدام، بل وربما يتصور بعضهم أنه قام بأعمال بطولية لنصرة الدين، وقد لا يعرفوا حتى يتم إعلامهم، وربما اتهامهم بأنهم ينفذون أجندة غربية لضرب الإسلام والمسلمين، فيثورون إزاء هذه الاتهامات، ويتوعدون من يلقي هذا الاتهام بالويل والثبور والقتل خاصة إذا كان من أمتهم. ولكن أن تأتي هذه الاعترافات ممن أصابتهم صحوة الضمير في الغرب لكي يتخلصوا من عذابه، فإن ذلك حري به أن يكون منبهاً لطوائف هذه الأمة لأن ينتبهوا إلى ما يخطط لهم وهم ينقادون إليه طواعيةً وبحماس وعن قناعة تامة. قالت سوزان لنداور، وهي ضابطة اتصال سابقة لدى الاستخبارات الأمريكية ، إن وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) خاضعة للموساد الإسرائيلي، وإن أحداث برج التجارة الدولية، وحادثة طائرة لوكربي، وحادثة المدمرة كول، وأسلحة الدمار الشامل في العراق، كلها تلفيق من صنع الموساد الإسرائيلي. هذا وقد حاولت هذه السيدة أن تأتي للكونجرس للإدلاء بشهادتها، فأغروها بالمال لتكف عن ذلك، ولكنها رفضت، فحاولوا اغتيالها في حادثتين بسيارة، ولكنهم لم ينجحوا، فلفقوا لها تهماً، وحكموا عليها بالسجن خمس وعشرين عاماً. وبضغط من المحامين والإعلام خرجت بعد سنة، وسجلت شهادتها في ست حلقات تلفزيونية، ولمن يريد التأكد يمكنه مشاهدة هذه الحلقات على موقع (youtube)، هذا إذا لم يكن قد تم حذفها من الموقع(). هذا ومن المتصور، بل من المقبول عقلاً، أن يتم استخدام العوام، أو محدودي العلم والمعرفة، والذين تغلب على تصرفاتهم الحماسة الدينية، من غير علم أو دراية، ولكن أن يصل الاستخدام إلى من يوصفوا بالعلماء فهذا دليل على مستوى الغفلة والانحطاط اللذين وصل إليهما بعض أبناء هذه الأمة، إذ أصبحوا يساقون كالسوائم ضد بعضهم البعض، يستوي في ذلك جاهلهم مع عالمهم. نؤكد في هذا البحث أننا نحترم كل الطوائف الإسلامية، وأننا لسنا مع أو ضد أيّاً منهم، ولكن ضد الاستخدام السياسي للدين مهما كانت نوعية هذا الاستخدام وماهية مبرراته. وللأسف الشديد إن الدين أصبح وسيلة من وسائل الاستخدام السياسي، سواءً كان هذا الاستخدام بغرض الوصول إلى كراسي الحكم، أو للمحافظة عليها، أو لقهر المعارضين، والكل في ذلك سواء. عظمة هذا الدين في أن نصوصه ثابتة، ولكن تتغير الأفهام والمفاهيم والآراء مع تغير الزمان والمكان، وهذا كله مشروع، بل أن المصيب له أجران والمخطئ مع سلامة السريرة والقصد له أجر. ولكن من غير المشروع أن يعتقد صاحب رأي بأن رأيه فقط هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب، والأشد خطورة من كل ذلك هو من يدعي بأن رأيه هو الصواب، ويعمل على حمل الآخرين عليه غير آبه بفعله هذا حتى ولو أدى إلى تفتيت الأمة وتشرذمها. الفرضية التي يقوم عليها هذا البحث هي: أن مؤتمر غروزني ما هو إلا صورة من صور الاستخدام السياسي للدين، والقصد منه هو بث الفرقة بين المكون الأساسي للأمة، وهم أهل السنة والجماعة، بعد أن تم بنجاح إشعال نار الفتنة بين طوائف المسلمين من سنة وشيعة وغيرهم، فهو إذن خطوة لتجزئة ما تمت تجزئته مسبقاً، وتقسيم لما تم تقسيمه سابقاً.ومن خلال هذا البحث سوف نعمل على إثبات أو نفي هذه الفرضية، وذلك عن طريق التناول الموضوعي للمعطيات والمتعلقات بهذا المؤتمر من حيث زمان انعقاده، ومكان انعقاده، والظروف المحيطة به، والجهات المنظمة له، والجهات المشاركة فيه، وما توصل إليه المؤتمرون من نتائج وتوصيات ذُكرت في بيانهم الختامي، وماهية هذه المخرجات وانعكاساتها على الأمة الإسلامية، ومدى تأثيرها في لمِّ شمل هذه الأمة وتوحيدها، أو تشطيرها وتكريس الفرقة والشتات بها. أولاً: تم عقد هذا المؤتمر تحت اسم (من هم أهل السنة والجماعة؟)، ومن البديهي أن عقد المؤتمر تحت هذا العنوان يعني بالضرورة أن المؤتمرين سوف يسعون إلى تعريف أهل السنة والجماعة، كما يعني أن هناك مجموعات من المسلمين ليسوا من أهل السنة والجماعة، وبالتالي فلا بد من تحديد طريقة التعامل معهم!!! ولعمري إن هذا السؤال يرجع تاريخه للقرن الخامس الهجري، حيث كانت الفتنة بين الحنابلة والأشاعرة على أشدها، () فهل من الحكمة، بل هل من الدين في شيء، أن يُطرح مثل هذا السؤال في مؤتمر؟ ألم يكن من الأوفق أن يُطرح مثل هذا السؤال في قاعات البحوث والدراسة، أم أن هناك مآرب أخرى خفية يسعى لتحقيقها من قاموا بالإعداد لهذا المؤتمر وطرح مثل هذا السؤال به!!؟ ولا أظننا في حاجة للتأكيد بأن العبارات والمفردات التي صيغ بها التعريف أعلاه، للجماعات المنظمة للمؤتمر، مثل (اختطاف لقب)..... من قبل طوائف من (خوارج العصر) و(المارقين) و(العابثين)، توضح بجلاء تام أن هذه الجماعات ليست تصالحية وإنما إقصائية. ومن هذه الجزئية من البحث نصل إلى نتيجة حاسمة مفادها أن الهدف الأساسي وراء هذا المؤتمر: (سواءً استقينا ذلك من عنوانه، أو من استدعائه لخلاف أصولي قديم، تجاوزته الحاجة الزمنية، ويرجع تاريخه إلى القرن الخامس الهجري، أو من الجهات المنظمة له، أو من خلال المفردات الإقصائية التي استخدمتها هذه الجهات في التعريف عن نفسها صراحةً، وفي موقعها الرسمي على شبكة المعلومات الدولية)، أن الهدف الأساسي وراء هذا المؤتمر هو: شق صف المسلمين، وبث الفرقة والشتات بينهم، بل والاحتراب بين طوائفهم، وليس جمعهم وتوحيد كلمتهم كما يدعي المؤتمرون. أما فيما يختص بالجهات المنظمة للمؤتمر فسوف نتناولها لاحقاً بمشيئة الله تعالى.