ربما نضب معين الدولة، أو ربما يهيء حزب المؤتمر الوطني نفسه لمرحلة ما بعد العاشر من أكتوبر القادم، مرحلة ما بعد إجازة مخرجات الحوار الوطني .. أم ربما هي محاولات جادة لجعل طريق الإصلاح سالكاً أمام إصلاحيي الحزب الغاضبين على طريقة إدارته .. احتفال الوطني أمس بتدشين نفرة دعم مشروعاته أثارت كل هذه التساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي وخدمة المراسلة الفورية (واتساب) .. لكن الثابت ظاهراً أن الوطني حرم أموال الدولة عليه، فهل يسهل فطام الحزب بعد 27 عاماً من الصرف من ثدي الدولة ؟ . سؤال صعب سؤال صعب على الكثيرين الإجابة عليه، بما فيهم قيادات داخل الحزب الحاكم، بيد أن شهادة عضو المكتب السياسي بالحزب ربيع عبد العاطي في حق حزبه كانت هي الأكثر وضوحاً، حيث قدم ل(آخر لحظة) مرافعة قوية قال فيها إن حزبه بريء مما يقال فيه، لأن مال الدولة عصي جداً على أن يتخذه المؤتمر الوطني ثدياً يرضع منه لتمويل أنشطته، وأضاف أن الاتهامات الحالية لا سند لها وهي مجرد حديث للاستهلاك السياسي، لان الدولة محصنة بمراجعيها وضوابط صرف أموالها ولا يمكن للوطني أن يورط نفسه في ملفات مالية تحسب عليه، ونبه عبدالعاطي في إفاداته الغاضبة رداً على خصوم حزبه أن الوطني مقبل على مرحلة جديدة ويواجه تحديات إنشاءات ضخمة مثل برج المركز العام، لذلك فان نفرة أمس الاول ليس بالضرورة أن تكون هي الأولى من نوعها لمدة 27 عاماً، ولكنها فرضتها ضرورة المرحلة الحالية التي يحتاج فيها الحزب إلى تغذية موارده وتحريك عضويته لتمويل مشاريعه . تجربة سابقة نفرة المؤتمر الوطني بالفعل لم تكن الأولى كما ذكر ربيع عبدالعاطي حيث خاض الوطني نفس التجربة في العام 2010 على مستوى ولاية الخرطوم، حيث قاد المرحوم محمد المهدي مندور حملة لدعم انتخابات الوطني في الولاية بشكل مغاير عما اعتاد عليه الحزب في السابق، بالاعتماد على اشتراكات العضوية والتبرعات، لكن امين الاتصال التنظيمي آنذاك محمد شيخ إديس قال إن تقارير الحزب كانت تشير إلى بلوغ عضوية الحزب بالولاية مليون ونصف عضو، بينما الحصر الدقيق للعضوية لم يتجاوز ال750 ألف عضو،ً وكانت التوقعات تشير إلى أن الحملة ستسفر عن جمع ما لايقل عن سبعة مليون ونصف جنيه لتمويل سبع مشروعات، وكان المقترح أن يتم جمع الاشتراكات عن طريق التحصيل الالكتروني بالاتفاق مع شركات الاتصالات، أو الخصم المباشر من مرتبات العاملين من عضوية الحزب بالخدمة المدنية، لأن الحملة كانت تستهدف عضوية الحزب بالجهازين التنفيذي والتشريعي والشركات الخاصة ورجال الأعمال. ويشير شيخ إدريس إلى أن هذه العملية واجهت صعوبات جمة لطبيعة نفسية عضو المؤتمر المبنية على الاعتقاد بأن الدولة ملك للحزب، وخشي الرجل من أن يواصل الحزب في الرضاعة من ثدي الدولة . صعوبة الرضاعة ورغم شهادة القيادي الشاب بالمؤتمر الوطني محمد شيخ إدريس بصعوبة فطام الحزب من الرضاعة من ثدي الدولة، إلا أن القيادي بالحزب الاتحادي الأصل علي السيد يشير إلى أن الوطني لا يرضع بشكل مباشر من ثدي الدولة لصعوبة ذلك، لكنه رجع وقال إن المؤتمر الوطني يتغذى من الدولة بشكل آخر، ويقوم باستغلال نفوذه كحزب حاكم ويجمع التبرعات من رجال المال والأعمال حتى من خارج عضويته، ويردها في شكل تسهيلات ومعاملات مرتبطة بالدولة، ويرى السيد صعوبة اعتماد الوطني على اشتراكات عضويته في تمويل مشاريعه الكبيرة وتسيير دوره المتنشرة على مستوى السودان، ووجود جيش من المتفرغين حزبياً، واعتبر أي حديث عن الاعتماد على الاشتراكات حديث لا يمت إلى الحقيقة بصلة . نظرة مغايرة القرأة الأكثر وضوحاً لما حدث بالأمس أن الحزب يهيء نفسه إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة ما بعد الحوار الوطني، هكذا نظر إلى الأمر من هذه الزاوية أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي بجامعة أمدرمان الاسلامية الدكتور راشد التجاني، وحسب توقعاته فإن الوطني لن تكون له الغالبية المطلقة كما كان في السابق، سواء عن طريق المحاصصة أو الاتفاق على دخول الانتخابات لتكوين حكومة ما بعد الوفاق الوطني، وبالتالي فإن الحزب ربما يجري تمارين واختبارات الإصلاح، ويربط التجاني ما بين نفرة أمس الأول ومطالبات سابقة بفصل منصب الوالي عن رئاسة الحزب في الولاية، لأن منصب الوالي يخصم من العمل الحزبي وبنائه .