*نقلت الغراء (التيار) عن البروفيسور جعفر ميرغني قوله (إن أزمة السودان الكبرى فى المثقفين)، وذكر أن المناهج التعليمية هي السبب وأن هنالك خللاً كبيراً فى المنهج وأنه الرابط المشترك بين كل المنظومات التى حكمت البلاد. * وغير بعيد عن هذا الزعم رفدنا الدكتور النور حمد بمقالات تحليلية رائعة سماها (التغيير وقيد العقل الرعوي) ودارت مساجلات بينه وبين بروفيسور عبدالله إبراهيم حول أحكام المصطلح . *وبعيداً عن علو كعب أكاديميي بلاد النيلين دعنا ننظر في أثر خريجي جامعاتنا ومثقفينا بشكل عام في مجتمعاتنا المحلية، هل أحدثوا تغييراً، هل رفعوا وعي أهاليهم، هل ساهموا فى تنمية مناطقهم التي شبوا فيها. *ولنأخذ مثالاً حريق النخيل في الولاية الشمالية الذي ما مر أسبوع إلا وأتتنا لفحاته الحارة تترى لتلهب أبصارنا ونحن نطالع أخبار حريق هذه العمة النخلة، وإن سألت فالسبب الرئيسي هو جريد النخل الجاف والسعف ما أن طارت شرارة إلا وانطلقت تنقل النار إلى جارتها حتى يعم الحريق ويقضي على الأخضر واليابس، وهنا حق لنا أن نتساءل لماذا لا يتم تعليم أهالي المنطقة الاستفادة من مخلفات شجرة النخيل واستخدامها في صناعات السعف اليدوية فيصنع منها أكلمة أو بروش وأقفاص نقل الفواكه والعديد من الصناعات اليدوية التي رأينا بعضها في صعيد مصر. *وأذكر أن أحدهم حكى لي عن سيدة أجنبية نزلت بمضاربهم في غرب بلادنا الحبيبة، وشهدت أول خريف هناك وكيف أن المياه تذهب هباءً تشربها الرمال ويعاني الناس والحيوانات والنبات بقية العام في إيجاد مياه الشرب، فعقدت عزمها وحفرت حوضاً كحوض السباحة أمام منزلها في العام القادم واستجلبت له المادة المانعة للتسرب، وانتظرت الخريف فامتلأ الحوض وسقاها وجيرانها بقية العام. * ويبدو أن العلة في مثقفينا كما قال بروفيسور جعفر ميرغني، وبعضهم عندما يصبح من ضمن النخبة ينكفئ نحو طموحه الشخصي ويغادر منطقته ولا يعود إلا في عطلات الأعياد يقضي أياماً ويعود، هل شهدت طبيباً يعود لمنطقته ويقيم عيادة خيرية يومين كل شهر، أو مهندسين يقيمون مخارج للسيول التي تهبط في بعض مناطقنا كل عام كالسيل العرمرم، أو خريجين يعلمون أهلهم الصناعات اليدوية لسعف النخيل بدلاً أن يحترق، أو يقيمون دورات تعليمية لطلاب الشهادة السودانية وغير ذلك من سبل رفع الوعي وتطوير المناطق. *ربما أن مناهجنا التعليمية هى سبب تضخم ذات النُخب وبحثها عن مصالحها الشخصية، ولا بأس من استخدام المنطقة أو القبيلة مطية للوصول إلى مآرب شخصية، أتمنى أن تأخذ المراكز البحثية حديث عُلمائنا الأجلاء جعفر ميرغني والنور حمد وغيرهما مأخذ الجد، ويقومون بعقد ورش واستكتاب باحثين لتشخيص هذه الأزمة ووضع حلول لها تجعل النخب السودانية مفيدة لمجتمعها السوداني بدلاً أن تكون عالة تعيش على دماء المجتمع.