كادوقلي : تقريرحسام الدين أبوالعزائم كان من المفترض أن تكون رحلتنا عند الساعة الحادية عشر صباحا لولاية جنوب كردفان وحاضرتها كادوقلي بالطائرة برفقة الأستاذين أحمد بلال مستشار رئيس الجمهورية وأحمد كرمنو وزير الدولة بمجلس الوزراء؛وأختلطت الامور والترتيبات لأعتذارهما في آخر اللحظات لتلغي الندوة التي حملت عنوانا هو استقلال السودان 5 عقود من الزمان وأثرها على العمل السياسي..وهي ضمن برنامج الشباب وأحتفالاتهم باعياد الاستقلال والسلام،المهم تغير البرنامج الموضوع كما أخبرتنا الأخت عفراء عراقي أمينة الشابات ،ليتقرر السفر بعربة لاندكروزر،وحملتنا الفارهة وكنا ستة أفراد هم الأستاذ جوزيف مبيور أمين الشباب للوحدة والسلام،والأخ محمود الأحيمر مسؤول التمويل الأصغر والمصور محي الدين الشهير بالعجب وفاكهة الرحلة الرجل الضخم في مشاعره وحجمه القائد بالكشافة الجوية محمد بلة الشهير ب كابوكي،ويقود العربة الرجل المهذب ابراهيم علي،لتبدأ رحلتي الأولى لجنوب كردفان،وهي تحمل الكثير من الصور التي أخترتها لملامح مدن الولاية؛وكانت أكثر من مخيلتي.. أستغرقت رحلتنا تماما أربعة عشر ساعة حتي وصولنا لحاضرة الولاية مدينة كادوقلي،وذلك حتى نقلل من أرهاق الرحلة بالتوقف كل ساعة أو ساعتين لتناول الطعام والصلاة وشرب الشاي باللبن وبالتأكيد القهوة؛أزدحم الطريق السريع بالكثير من حافلات العودة الطوعية لأبناء الولاياتالجنوبية؛ وحمل الطوف المروري المتحرك أمامنا مباشرة أبناء ولاية أعالي النيل في أعداد كبيرة أشفقت من خلالها على هذا الوطن،الذي سيحمل نوعا آخر من الملامح بعد التاسع من يناير. أولى محطات التوقف كانت مدينة ربك عند السادسة لتناول السمك،والشرب والصلاة،وتركنا أختيار السمك الطازج ل كابوكي الخبير في الأطعمة والمشويات..وكان طعم المدينة وأسماكها حدثا بالنسبة لنا في أسماكها والذي سيكون عالقا في ذهني مدي الحياة،وكانت محطتنا التالية توقفا مدينة الرهد لشرب الشاي باللبن؛عند أم حرم الشهيرة في السوق،وطلبنا منها المزيد لحلاوة الطعم وأتقانها لعملها،ومن هناك كان القرار بالتوقف عند آخر محطة مدينة كادوقلي. دخلنا حدود الولاية وعند مدينة كازقيل الشهيرة بالجبنة الرومية والمضفرة قبل منتصف الليل بنصف ساعة؛وكانت تسير أمامنا عربة أطفاء خارجة من الأبيض،وتخطيناها مسرعين،لنتفاجأ بأشتعال نيران من البعد؛لنجدها شاحنة تحمل بضائع،وهي تزداد أشتعالاً،وتوقفنا للمساعدة ومعرفة مايجري بحكم العمل الصحفي،أخبرنا شهود العيان بأن هذه الشاحنة في طريقها لمدينة أويل،حاملة لمواد تموينية بكميات كبيرة تحتوى على جوالات الدقيق وعلب الصلصة والتونة،وزيت الطعام الذي ساعد على زيادة أشتعال المقطورة الخلفية..وصلت عربة الأطفاء بعد وصولنا بخمس دقائق وبدأ أفراد الدفاع المدني في محاصرة الحريق ونجحوا في ذلك ولكن بعد أحتراق جزء كبير من البضائع. وصلنا الدلنج ومنها تمايلت عربتنا ببطء وصولا حتي مدينة كادوقلي التي أستقبلنا في أولها المشير البشير وهو يعتلي لافتة كبيرة عند مدخل بلد الحجار والجبال كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان،وهو باشاً باسما تحمل ملامح وجهه تطمينات تجعلك تشعر بالأمان وأنت مطمئن بأن الراعي ساهر علي حال وأحوال رعيته. أستقبلنا بعدها الأخ عبدالسيد عثمان رئيس الاتحاد الوطني لشباب الولاية،عند الرابعة صباحا،لتتسارع خطانا نحو أسرة فندق شيراتون كادوقلي،الذي يحمل الملامح العادية لأي منزل سوداني؛ويتسم حقيقة بالنظافة ورقي الخدمات التي يقوم بها شخص واحد من أستقبال وأعداد الشاي وتلبية طلبات الزبائن،وهو يتعامل ببساطة وعفوية؛هو من أبناء مدينة الحاج يوسف بولاية الخرطوم. أستيقظنا عند الثامنة لنبدأ طقوس الأستعداد لبداية برامج الشباب الوطني وأحتفالتهم بالأستقلال والسلام،ليحتضننا مقره الواسع النشط ،وجدنا الأخ ياسر كباشي مستشار الوالي في أستقبالنا،لتكون ضربة البداية تلاوة القران الكريم،لتليها كلمة أمينة الشابات بولاية جنوب كردفان وهي ترحب بنا وتنصح شابات وشباب كادوقلي بالعمل من أجل تقديم المزيد من المشاريع لتنمية المنطقة والتأمين على أستقرارها؛بعدها تحدث عبدالسيد رئيس أتحاد الشباب بالولاية،ليحمل وعدا من كل شباب الولاية،بتضافر جميع جهودهم من أجل منطقتهم،وذكر عبدالسيد الحضور بمجاهدات حركة الجهادية السوداء الذين كانوا عصب القوات المسلحة الضاربة في عهد أسرة محمد علي باشا للسودان من 1820م إلى قيام الثورة المهدية في 1881م.وهم كشباب حاملين لرايتهم للحفاظ على مكتسبات كثيرة تصب جلها نحو الوطن الواحد الكبير بمساحته وعاداته وتقاليده السمحة،بعد كلماته تلك أعقبه الأخ جوزيف مبيور،الشاب الدينكاوي الذي ينتمي للمؤتمر الوطني كأمين للوحدة والسلام بالأتحاد المركزي للشباب في الخرطوم؛عكس والده الذي يعتبر من كبار القادة بالجيش الشعبي للحركة الشعبية،وهو يحمل آمال يرجو أن تتحقق بتناسي ماسيترتب عليه قرار الأستفتاء للأخوة الجنوبيين،والعمل سويا من أجل رؤية يحملها غد أفضل نحو تكاتف شبابي لا يأبه لسياسة أو حكام،ضاربا مثلا بألمانيا التي تكسر سورها بقرار المواطنين الذين تربطهم وجدانيات وأسر وأبناء فرقها سور برلين ليتم الجمع بين الشرقية والغربية بأمر شعبيهما،فالوجدان وأحساس الوحدة هو مطلب لكثير من أبناء الجنوب،ولكنهم يخافون من الحديث صراحة عن ذلك.وتمني جوزيف أن يأتي العام القادم ونحن نحتفل بالعيد السادس والخمسين للأستقلال ونحتفل أيضا بعودة الجنوب للوطن الأم. مستشار والي ولاية جنوب كردفان والرئيس السابق للاتحاد الوطني لشباب الولاية،شكر الحضور بداية ومناديا في ذات الوقت للتحامل على ألام الأنفصال والانتباه بعده جيدا لماسيترتب عليه الوضع وذلك من أجل المحافظة على الوطن،وواضعا الكرة في ملعب الشباب مثمنا دورهم فيما سبق من توعية وأنشطة تصب في تأمين السلام،وطالبهم ببذل المزيد،مطالبا أتحاد الشباب الوطني العام بوضع أمكانياته لكل شباب السودان عامة وشباب ولاية جنوب كردفان بصفة خاصة،لحاجتهم للدعم نحو جيل شاب معافى يحمل طموحات هي تمثل آمال المستقبل المشرق لأبناء الولاية. تم بعدها وضع برنامج تدريبي لشباب كادوقلي في إدارة المشاريع التنموية الصغيرة التي ينفذها الأتحاد الوطني،وقدمها الأخ محمود الأحيمر مسؤول التمويل الأصغر،وبعده أعتلي منصة التدريب الأخ محمد بلة للتنبيه من مخاطر الأيدز،وكيفية الوقاية منه. في المساء كان البرنامج الثقافي لأعياد الأستقلال والسلام الذي حمل جميع مظاهر الوطن الواحد من أناشيد وطنية،وقصائد وغناء للوحدة والسلام ،وأسكتشات عبر بعضها بأهمية الأسرة،وتأسيسها ومكوناتها مع الترغيب في الزواج،مع تعهد الأخوة بالأتحاد الوطني للشباب بالخرطوم بتوفير المعينات الضرورية،وتوفير شنط الزواج. بعد صلاة الفجر،تحركنا نحو الخرطوم،و\ بالنا وصية سائق الليموزين إبراهيم بشراء أخشاب الطلح الذي يتوفر بكميات كبيرة وتشتهر به المنطقة،وحملتنا آمال العودة والشوق لأهلنا وأسرنا،وفي أذهاننا ذكرى لاتمحي عن مدينة يحملها أبناؤها في حدقات العيون. من مشاهدات الرحلة: * جوزيف مبيور عند جلوسنا لشرب القهوة بعد صلاة الجمعة،أستماحنا عذراً بالذهاب للمكتبة لشراء الصحف،وذهبت قبل حضوره من المكتبة لشراء بعض الحاجيات، وبعد عودتي،وتنبيهي له بأن هذه صحف الخميس،فقال لي كيف حدث ذلك فصاحب المكتبة أوضح لي بأن هذه صحف اليوم الجمعة،لنكتشف أن صحف اليوم في المدينة المقصود بها صحف الأمس،بسبب وصولها للمدينة عند المغرب. * منذ تحركنا طالب الأخ محمد بلة وبشدة ب(الأقاشي)وهو ماتشتهر به مدن كردفان دون تمييزها بشمال أو جنوب.ورغم ذلك لم نتناولها بتاتاً،رغم بحثنا عنه،وكان يقال لنا كل مرة أنه نفذ،ومحمد بلة يشتهر بخبرته المعلنة في الأطعمة وأنواعها وأجودها،وكنا نتندر عليه كثيرا عند أستقباله للمكالمات الهاتفية حيث كان يوصي كل شخص بتناول الطعام جيدا،وكأنه يستخدم هذه المكالمات ك(مقبلات) لفتح شهيته قبل تناول أي وجبة. * سلبتنا ولاية جنوب كردفان عقولنا بجمال طبيعتها،وطيبة أنسانها وكرمه،وكانت رحلة تحمل عبق التأريخ.