للزعيم الراحل إسماعيل الأزهري تقدير خاص في نفوس كل السودانيين، إذ ارتبط لديهم بلحظة تاريخية ومفصلية حاسمة في عمر بلادنا، هي لحظة إعلان الاستقلال الذي جاء تتويجاً لنضال وكفاح جيل كامل من أبناء السودان تمثل في ثورات متفرقة، بدأت بثورات عبد القادر ود حبوبة، وعلي دينار، وعلي الميراوي، وعلي عبد اللطيف، وعبد الفضيل ألماظ، لتنتظم الثورة بعد ذلك على هدي حزب المؤتمر الهندي الذي أسسه وقاده المهاتما غاندي، وذلك من خلال دعوة الأستاذ أحمد خير المحامي إلى تكوين مؤتمر الخريجين في مدينة ود مدني عام 1936م، ليصبح الحلم حقيقة في العام 1938م.. حيث بدأت بعد ذلك مرحلة مهمة في تاريخ العمل الوطني السياسي لمناهضة الاستعمار من خلال ما عرف تاريخياً باسم الحركة الوطنية.. وقد كان الزعيم إسماعيل الأزهري أحد أعظم وأكبر رموزها على الإطلاق. نحن نسعد بسيرة وتاريخ الزعيم الأزهري، لكننا نحزن كثيراً عندما يربط بعض أفراد أسرته الكريمة بين الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، وبين الحزن الذي يتطلب التوشح بالسواد حداداً على زوال جزء عزيز من وطننا.. عن السودان الكبير. ونحن- مع ذلك- نرى أنه من حق كل مواطن أن يعبّر عن رأيه السياسي بكل الوسائل المشروعة إذا ما تهيأت الظروف لذلك.. لقد حزنا على موقف بعض أفراد أسرة الزعيم البطل إسماعيل الأزهري، لا لأنهم عبروا عن رأيهم أو موقفهم من مجريات الأحداث- فهذا حقهم- لكن حزننا انبنى على أن هذا الاستفتاء هو استحقاق قانوني ودستوري كفله الدستور واتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الشريكين بموافقة كل القوى السياسية في العام 2005م. نرى في الأفق النتيجة قبل أن تعلن، وهي اختيار أبناء الجنوب للانفصال باعتباره خيارهم الأفضل، وهو خيار إن تم بوعي عند تأسيس ومولد الدولة الجديدة، سيضمن لنا ولأشقائنا في الجنوب بأنه لا عودة للحرب مطلقاً، وسيوفر على شطري السودان ما كان يهدر من أرواح ودماء غالية وموارد كان من الواجب أن تستخدم لصالح بناء الإنسان لا لهدمه وإعدامه ومحوه، وفي بناء الوطن كله للأجيال القادمة حتى نخرج بها من ظلمات الفقر والجوع والمرض إلى فضاءات الأمن الذي إن توفر سيوفر لنا كل النواقص المطلوبة لبناء الأمم. نقدر تماماً موقف بعض أعضاء أسرة الزعيم الأزهري، لكننا نذكرهم- والذكرى تنفع المؤمن- بأن الزعيم العظيم الذي كان يتبنى الدعوة للاتحاد مع مصر، عندما جاءت لحظة الاتفاق على أن يقرر السودانيون مصيرهم بعد اتفاقية 1953م بعد قيام الثورة المصرية بأقل من عام، وجد أنه قد اختار الاستقلال وضحى بما كان يؤمن به استجابة لضغط شريحة كبيرة من السودانيين كانت تطالب بالاستقلال. بدلاً عن البكاء والاتشاح بالسواد، هنئوا أشقاءكم في الجنوب بخيارهم وساعدوهم على بناء دولتهم.. إذ ربما يعود الوطن كاملاً من جديد في مقبل الأيام.. ربما.