المكان: ميدان التحرير بالقاهرة. الزمان: قرابة الأسبوعين من ما يسميه البعض بالثورة، ويسميه آخرون بالصمود. الموضوع: دروس وعبر من ذلك نقول لسنا بصدد التحدث من منظور سياسي لما يحدث في ذلك الميدان الذي أصبح بين عشية وضحاها أشهر ميادين العالم على الإطلاق، بفضل التظاهرات المليونية حيناً والأقل من ذلك في أحايين أخرى، والتي تطالب برحيل الرئيس المصري حسني مبارك، ولكننا نود أن ننظر لميدان التحرير وما يجري فيه من زاوية أخرى ربما تكون غائبة عن الكثيرين بفضل الأحداث المتلاحقة، وهي زاوية تبدل الأحوال والمواقف، وكيف أن الله يؤتي ملكه من يشاء وينزعه ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، فمن منكم كان يتخيل أن حسني مبارك الذي كانت الملايين قبيل لحيظات تهتف بحياته واسمه، وتغني له وتصفه بالزعيم والقائد، أصبح في لحظة منبوذاً مطارداً بالهتافات والدعوات عليه، ومن كان يحسب أن وزير داخليته حبيب العدلي الذي كان يشير بأصبعه فيتوجه الشعب على الجهة التي أشار إليها، وكيف كان يحكم قبضته على الشعب وعلى أنفاسه، أصبح الآن في عداد المجرمين الذين تجب محاكمتهم، ومن قبل كل ذلك كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي هو اليوم مطلوباً للشرطة الدولية (الإنتربول)، إنها الدنيا، وإنها الغفلة التي صورت لأولئك أنهم ملكوها وملكوا شعوبها. هل يا ترى تعلم حكامنا في كل الدول العربية من هذا الدرس، وهل تعلم وزراء الداخلية في بلداننا من درس حبيب العادلي؟.. ربما يكون هناك من تعلم وربما يكون لا، والعاقل من اتعظ بغيره، فالسلطة لا تدوم والعاقل من جعلها فرصة لإرضاء الله بخدمة عباده ومصالحهم واحترام آدميتهم، بحفظ الأمانة وآدائها على ما يجب أن تؤدى، فينال رضا الله ورضا الشعب الذي حتماً سيدعو له صباحاً ومساءً، فمن جعل العدل سياسته لا يخاف، لأنه لن يجد مظلوماً يقول له لا أو يدعو عليه. أحداث ميدان التحرير لا تخص مصر وحدها، ولا تعني المعتصمين هناك وحدهم، فهي رسالة واضحة لكل الأنظمة العربية، ولكل الشعوب، بأن دولة الظلم لن تدوم ولو حكمت سنيناً، فلماذا لا نتعظ منها، ولماذا لا يحكم حكامنا بالعدل حتى يغادروا كراسي السلطة والشعوب راضية عنهم، داعية لهم بالصحة والعافية، لماذا لا يتعظ من يحركون القوات لتضرب وتنكل بالشعوب من حبيب العدلي الذي لا يستطيع الآن أن يخرج للشارع، وبقوات أمنه التي انسحبت وتوارت عن الأنظار غير مأسوف عليها. نعلم أن حديثنا هذا سيفسره كثيرون، كل على حسب هواه، ولكننا نهدف في كل الأحوال أن يتعظ حكامنا ومن بيدهم مقاليد الأمور مما جري في تونس ويجري الآن في مصر، قبل أن تقول الشعوب كلمتها، لأن الشعوب الحرة عندما تقول لا تتراجع عن ما قالت، وما زالت الفرصة مواتية أمام الكثير من حكامنا في وطننا العربي للعودة إلى كتاب الله، حيث العدل الذي به يتم به الإصلاح، فما أقسى على الرئيس الذي هو بطل اليوم، أن يوصف بالخيانة غداً ويهتف في وجهه (أرحل .. أرحل).. هذا غير أوصاف أخرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.