قبل أعوام لا تزيد على الثلاثة، كان الشارع عندنا يردد بلغة «الراندوك» عبارة لطيفة ظل الناس يرددونها وتتناقلها الألسن بكل سهولة ويسر.. ولا يحتاج الناس لقاموس يعين على التفسير فالمعنى واضح، يقول الشارع « كيس نايلو.. والهواء شايلوا » !! سألت عن معناها قيل لي إنها تذهب مباشرة لوصف الشخص الذي يأتي عابر سبيل!! أو الذي يمكن إزاحته فجأة فحاله كحال الكيس!! ينفخه الهواء ويطير بعيداً، وليس مهم أين يهبط، بل المهم أن يذهب ويختفي ولا تراه الأعين بعد ذلك!! تذكرت هذه الجملة التي ربما لا زالت متداولة هنا وهناك.. وكذلك أتذكر مقاطع أغنية قديمة لفرقة ( البوني إم - «BONY .M» ) تقول بعض كلماتها إن لم تخني الذاكرة: «اذهب بعيداً .. بعيداً.. في السماء». هل هي حالة تنبؤ أم هي فرقة «استطلاع» متقدمة تلك التي تقول « كيس نايلو .. والهواء شايلو» ؟! الآن هذه الأيام فطنت لهذه العبارة الساحرة والساخرة.. والمنطقة العربية تهتز بواباتها القديمة وترتج بفعل هذه الرياح العاصفة، والتي ليست هوجاء.. ولكنها قوية وشديدة تهب فجأة ثم تحمل أمامها أي شيء مهما كانت قوته وشدة تماسكه وكثرة أوتاده.. هل هي الريح التي وردت في الأحاجي السودانية، وقصة فاطمة السمحة والغول الذي يأتي في وسط رياح حمراء مخيفة ويخطف فاطمة ويذهب بها بعيداً؟! الآن الريح تعصف بكل شيء وتدمر كل المساحات والأركان والعروش والأنظمة.. ولكنها لا تذهب بها بعيداً، بل تدور في ميادين «محددة» وساحات لا تستطيع الخروج أو الفكاك منها.. إنها ميادين الشعوب و«المواطنة»، فقد جاء أوان البحث عن مفردات العزة والكرامة وفضاءات الحرية والانعتاق من أي قيد أو إذلال، مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات والدماء والأرواح. ليس في الأمر عجب.. وليس في الأمر معجزة أو أسطورة، ولكنها نواميس الكون والحقيقة التي تقول إن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة!! هذا أوان التغيير وهذا عهد الشعوب وانتهت إلى الأبد كل مفردات قديمة بالية، انتهى عهد السوبرمان والصولجان والسلطان، نحن أمام حقيقة المواطن الإنسان!! وإذا الشعب يوماً أراد الحياةü فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجليü ولا بد للقيد أن ينكسر