وردتني هذه الرسالة من الأستاذ ياسين الترابي رداً على مقالي حول أسباب الزواج للمرة الثانية، وقد اندهشتُ لقوة وصرامة كلماته تجاهي. ويبدو أنه لم يفهم جيداً ما ورد في المقال، فأنا لست ضد الزوجة الثانية ولم اُحرِّمها، بل ذكرت بعض الأسباب التي وجدتها عند من ناقشتهم.. وسأحاول إيراد ما جاء في رسالته وأرد عليه لاحقاً.. الأستاذة آمنة السيدح.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ها أنذا أعود مرة أخرى للرد على بعض أطروحاتك المتأرجحة، فقد تعجبت مما ورد في عمودك «تنظير» في العدد «1630» بتاريخ 24/2/2011 تحت مسمى وعنوان «التغيير بشفافية»-أين هي الشفافية في معاملاتنا الاجتماعية وغيرها؟ استغربت لتبريراتك النيَّة وغير الناضجة، لأنك ذكرتِ بأن الرجال الذين يرغبون في الزواج من زوجة ثانية، والذين دخلت في نقاشات مع بعضهم «أسبابهم فطيرة ومعظمها تكون خصماً عليهم»!!.. هل دخلتِ في نقاشات مع الآخرين لأن الصورة لا يمكن أن تُرى من جانب واحد. صحيح قد تكون هنالك أسباب غير سليمة وغير مقبولة لدى البعض ممن يودون التعدد، ولكن أيضاً توجد للآخرين أسبابهم وتبريراتهم الطبيعية أو الناشئة بين الرجل وزوجته الأولى، ودائماً ما تطرأ أسئلة متباينة وتتبادر إلى الأذهان حينما ينوي الرجل الزواج على زوجته الأولى «لماذا يريد الزواج؟».. أعنده مشاكل أو نواقص مع زوجته الأولى؟! هل سيهمل أطفاله وتكثر مشاكله؟.. أما سؤالك بأن ينقل مشاكله مع زوجته الأولى إلى الثانية فهو في قمة «التفطير»!.. وهي تساؤلات اعتقد أنا طبيعية نوعاً ما لإشكالات الحياة المتعددة. ولكن إذا رجعنا إلى حكمة مشروعية التعدد وجدناها تصب في خانة الفطرة السليمة والسنن الإلهية لدواعي التعدد، فالغرض من ذلك هو إكثار النسل وحفظ النوع الإنساني. ورسولنا الكريم يدعونا إلى الزواج من الودود الولود لأنه يباهي بنا الأمم يوم القيامة، فقد تكون الزوجة ولوداً ولكنها غير ودود وقد يكون العكس، وهذا واحد من مبررات كثيرة للتعدد في نظري. والأمر الثاني هو قوله تعالى«فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة..».. وقوله «ما طاب» لا يعني أن الرجل يود أن ينقل مشاكله مع زوجته الأولى إلى الثانية كما تزعمين.. والشرط الوحيد الذي وضعه المولى عز وجل مخافة عدم العدل بينهن في المعاش والمساواة في التعامل بالطبع، وليس في الميل القلبي كما ورد في الحديث الشريف، والعلماء يقولون إن الأصل في الزواج التعدد.ويبدو أن كثرة النساء مقابل الرجال هي التي دفعت الكثيرين للمناداة بالتعدد.. وأحكي طرفة أو نكتة عن أحدهم بأنه تعجب من قلب الرجل يحب أربع نساء ويحب أمه وأباه وأشقائه ووطنه، وقبل ذلك يحب الله ورسوله والمؤمنين فقال «ده قلب أم شاحنة». فأسباب التعدد معلومة دينياً وفقهياً وإنسانياً واجتماعياً، وهي ليست خطيرة كما زعمتِ من خلال آراء البعض وليست خصماً عليهم، بل زيادة خير وبركة، وقد عملتُ معلماً في إحدى قرى ريف شرق النيل وزاملني معلم من نفس المنطقة، وقمت بزيارته في منزلهم وقابلت أخاه من أبيه -وأمه زوجة ثانية- فذكر ابن الزوجة الثانية أنه يود الزواج لأبيه من ثالثة، فاندهشت لذلك، فقال لي «نحن لاقين لينا اخوان أبو»، في إشارة إلى تكثير عائلتهم وأسرهم وقبيلتهم، وفي ذلك تقوية وتعضيد وسند وتقاسم الهموم المشتركة. وادعوك أن تجري حواراً مع الفقهاء والأطباء «البشريين والنفسيين» عن مدى تحمل الرجل أعباء التعدد في جميع الجوانب الإنسانية والفقهية والطبية «العضوية والنفسية».. وإن عدت ثانيةً عدنا، وجزاك الله خيراً. -أما كلمة «تغيير» فلم يحالفك فيها التوفيق، لأن التعدد لا يعني تغيير الزوجة، إلا أن تكوني تقصدين تغيير الأوضاع وليس تغيير المشاكل، هذا مع تقديري واحترامي.