نقول في أمثالنا الشعبية (إن دخول الحمام ليس كالخروج منه).. ونقول في أشعارنا إن الدخول في الشبكات هين ولكن التأمل في الخروج، وهذا يكاد ينطبق قولاً وفعلاً مع ظاهر الأحداث داخل ليبيا، وهي أحداث تورط فيها العقيد القذافي وأولاده، وورط فيها شعبه ومن حوله، وورط معه العالم بدخوله إلى حمام دم أصبح عاجزاً عن الخروج منه منذ السابع عشر من فبراير الماضي. منذ يوم الجمعة الأول من أمس، يتابع المهتمون والمراقبون بحرص بالغ ما يجري داخل قاعات وأروقة الإتحاد الإفريقي في العاصمة الأثيوبية «أديس أبابا» بخصوص تفعيل ما أطلق عليه «مبادرة الإتحاد الإفريقي لحل الأزمة الليبية» ولم يقطع متابعتي الشخصية لهذا الأمر إلا أداء فريضة الجمعة في مسجد حي «مسكل فلور» الذي يقع فيه فندق «دريم لاينر» الذي أقيم فيه منذ صبيحة الثلاثاء الماضي، ومجموعة من الصحفيين الأفارقة المدعووين من الأممالمتحدة لتغطية أعمال اللجنة الإقتصادية الإفريقية في المنظمة الدولية بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي في العاصمة الأثيوبية «أديس أبابا». خرجت من المسجد المكتظ وزميلي الأستاذ حالي يحيى مدير مكتب «آخرلحظة» في أثيوبيا لنعود للمتابعة بعد الصلاة.. وكنت قد التقطت خيطاً عصر الأربعاء الماضي من داخل منزل السفير السوداني سعادة السيد محيي الدين سالم، وعلمت منه أن إجتماعاً سوف يعقد بالخميس لبحث الأزمة الليبية وتداعياتها على دول الجوار، وطلب إليَ إن أردت المزيد من المعلومات أن أتصل بالسيد نورالدين المازني مدير الإعلام في الإتحاد الإفريقي، والذي يعرفه جميع العاملين في مجال الصحافة والإعلام بالسودان، لأنه كان مسؤولاً عن إعلام البعثة المشتركة (اليوناميد) في السودان لفترة طويلة، أسس خلالها شبكة واسعة وقوية من العلاقات مع أهل الصحافة والإعلام.. وقد حاولت الإتصال بالسيد المازني أكثر من مرة إلا أن هاتفه لم يكن يجيب، لذلك شرعت في محاولة لجمع معلومات أكثر حول هذا الأمر بطريقتي الخاصة. عدنا إلى مقر إجتماعات اللجنة الإقتصادية الإفريقية التابعة للأمم المتحدة ودلفنا مباشرة إلى مركز الخدمات الصحفية المجهز بكل الأجهزة والمعدات والوسائل والمعينات التقنية التي تساعد الصحفيين على أداء عملهم، وظللت أبحث في شبكة الإنترنت عن أية مجموعة ليبية رسمية من جانب حكومة القذافي أو من جانب الثوار تكون قد غادرت ليبيا إلى أثيوبيا، على خلفية حديث دار عن مفاوضات ستجري بين الطرفين في «أديس أبابا» لكنني لم أحصل على شيء. علمت في وقت متأخر من أحد المواقع الليبية التابعة للثوار إن وفداً ليبياً ضم خمسة عشر مسؤولاً ليبياً قد وصل إلى تونس سراً عن طريق البر من خلال بوابة «راس جدير» الحدودية المشتركة بين البلدين، منذ مساء الأربعاء في رحلة غير معلومة الوجهة أو الإتجاه، ويقود الوفد محمد أبوالقاسم الزاوي أمين مؤتمر الشعب العام (البرلمان)، ومن بينهم رفيق محمد الزاوي مستشار المكتب الشعبي الليبي في لندن (السفارة)، وأحمد ابوبكر النسلاتي مستشار المكتب الشعبي الليبي في واشنطن (السفارة)، وعبدالعاطي إبراهيم العبيدي أمين الشؤون الأوربية في الخارجية الليبية.. وإن الوفد وصل على متن سبع سيارات مرسيدس في انتظار السفر إلى جهة غير معلومة. عدت مساء الجمعة إلى الفندق، وحاولت إرسال زاويتي اليومية عن طريق الإنترنت إلى الصحيفة إلا أنني لم أتمكن من ذلك لضعف الشبكة، وهاتفت زميلييَ الأستاذين عبدالعظيم صالح وعثمان حامد وأطلعتهما على ما لديَ من معلومات، وذكرت لهما إن لديَّ معلومات تفيد بأن القذافي - شخصياً - كان وراء مبادرة الإتحاد الإفريقي، وأنه مارس ضغوطاً كثيفة حتى يتبنى الإتحاد الإفريقي تلك المبادرة التي يمكن أن تضمن له خروجاً مشرفاً، لكن الثوار الليبيين رفضوا ذلك بحسبان أن أوان المبادرات قد ولى. أمس السبت علقت واشنطن على التحركات الليبية والإتصالات مع الخارج بأنها دليل يأس وقنوط، وهي محقة في ذلك، وكلنا يعلم الآن إن محاولات استخدام القوة والبأس ضد الشعوب لن يفيد.. وما قاد البأس إلاَ إلى اليأس في مثل حالة العقيد القذافي الذي لن يبقى أكثر مما بقي.