في كتابه جغرافية وتاريخ السودان يقول نعوم شقير: «مملكة الميرفاب في شمالي الجعليين بين المقرن «مقرن نهر عطبرة» ووادي السنقير ومركزهم بربر، ولهم ككر وطاقية «عرش وتاج»، وقد اشتهر الميرفاب بالكرم والنباهة كما اشتهروا بالشجاعة وكان آخر ملوكهم الملك نصر الدين..» انتهى. ü وفي موسوعة القبائل والأنساب في السودان يقول البروفيسور عون الشريف قاسم عليه رضوان الله ومغفرته: «الميرفاب قبيلة من المجموعة الجعلية أبناء ميرف ابن ضيغم بن إدريس الأسد بن بشاره بن ضياب بن غانم بن حميدان الجعلي».. يسكنون جنوب الرباطاب وينقسمون إلى بيوتات منهم الصُيَّام والمصطفياب واللبُّياب والرحماب ولهم ملك «قديم حتى غزو الأتراك.. جدهم بشارة الجد السادس للملك سويكت.. ومنهم آل الجعلي بكدباس.. ومنهم محمد الخير أستاذ المهدي ببربر ومنهم محمد ميرف والد محمد الفرنيب جد الميرفاب.. وسلسلة نسبهم من الأرباب عبد الماجد بن الأرباب حمزة ود بابكر ود فرح ود رحمة ود الأرباب الصايم ود رحمة البخيت ود سويكت ود رحمة أبو ختام ود محمد الفرنيب بن محمد ميرف بن دغيم بن إدريس بن بشارة بن ضياب ابن غانم بن حميدان بن صُبُح أبو مرخه إلى آخر نسب الجعليين.. ويُشاع بينهم أن من لا صلة له بالأرباب الصايم «كمن صلى بلا وضوء».. ومنهم الرحماب بدار مالي والسلمة والبشاراب والنايلاب وجميع الأرابيب.. قال شاعر الحقيبة «ما الحكمة في كونك بخيل وأهلك أرابيب الندى» فقد كانوا مضرب المثل في الكرم.. ومنهم آل البحاري.. وآل حسن عوض الله وآل اللُّبِيه «أيوب بيه» والمصطفياب وأمهاتهم من الشوافعه.. وآل أبو لكيكل ومن أولاده الملك عبد الماجد الذي استشهد في مكركي «توشكي» قال الشاعر المكي نافع المكي رحمه الله.. وهو من أبناء بربر والرعيل الأول بالسكة حديد: قصبة عيش قُرير مزروعه في مكركي بين ميلين مشيك من الكِفيل تتَّكي ما بتحمل كلام من القليلة بتشكي كيف تعمل مع ست الجمال يا مكي!! وباستشهاد الملك عبد الماجد مع الأمير ود النجومي في توشكي وهو والد «اللُّبيه» الذي جاء ناظراً للخط على المنطقة من نهر عطبرة إلى كريمه وتشمل نظارته الميرفاب والرباطاب والمناصير.. خلفاً لأخيه حامد أمير بربر بعد الملك عبد الماجد.. وقد خلف اللُّبيه على النظارة ابنه عبد الله حتى أنهى النميري نظام الإدارة الأهلية «المجيدة».. ومن الميرفاب «الفنَّاميه» بالسلمة والنبويه، ومنهم آل الشيخ عبد الباسط.. ومنهم النعيماب بالعبيدية، وأشهرهم العمدة مختار ود رحمة ود مصطفى عمدة العبيدية المشهور بكرمه، قالت المغنية «عرَّش دود مراقد السار.. ليهو الموفشَّار.. خايله الملَكَه فوق مختار». فقد كانوا ملوكاً بحق وحقيقة حتى رأت الحكومة المصرية تجريد زعماء الميرفاب من لقب ملك «استعلاءً منهم».. وأول من لُقِّب بناظر قبائل بربر كان هو الأرباب عدلان ثم محمد حمزه من فرع الرحماب، فأعقبه أخوه العجمي ود حمزه، ثم آلت النظارة لأولاد نصر الدين.. فترك العجمي بربر واستقر في كسلا حتى توفي بها.. عليهم رحمة الله أجمعين. وتاريخ الميرفاب لا يمكن أن يحتويه مقال في صحيفة سيَّارة فهو بلا أدنى شك يحتاج إلى أسفار.. لكنني أردت بهذه المقدمة أن أدلف إلى رثاء صديقي الراحل المقيم هاشم سلمان البكري الذي نعاه الناعي نهار أمس «وما شهدت جنازته»، فقد أبلغني بالخبر الأليم ابن عمه الأستاذ أحمد عبد القادر علي نائب مدير مراسم الدولة «بعد الدافنه» فاعتصرني الألم وعجزت عن كتابة عمودي اليومي بالأمس.. وهرعت لسرادق العزاء بمنزله بالثورة أم درمان الذي كان مثابةً للأهل وأمناً لذوي الحاجة والفقراء والمساكين.. هاشم البكري «لا حول ولا قوة إلا بالله» كان قد أصيب في آخر أيامه «بالجلطة» فجاءته امرأة وهو جالس أمام منزله فسألته: أين بيت هاشم البكري؟ فقال لها «دايراه لي شنو؟» فقالت «محتاجة لرسوم الجامعة لي بنتي» فقال لها «يا حليل هاشم الكان بيدفع رسوم الجامعات.. لكن وريني بيتكم وين» فشرحت له المرأة وصف بيتها وهي لا تعرف أن الذي يحدثها هو هاشم البكري نفسه وقد قست عليه الأيام وهدَّه المرض.. فقال لها «خلاص بكلم ليك هاشم يساعدك!! وقد فعل ولم يخيِّب رجاء المرأة. كُنَّا شباباً لا نملك حق المواصلات عندما كان هاشم ضابطاً في الجمارك ورسوم الإنتاج «قبل عسكرتها» فكان يغدق علينا من كرمه ويبطرنا فيدعونا للقهوة والبارد في مقهى «اتينيه» أو مطعم «الغار» في شارع الجمهورية أو فندق الزهراء في نمرة إتنين.. أنا وخاله الصادق محمد مصطفى.. وابن عمه نور الدين مصطفى البكري.. وعبد الماجد شكاك.. ومصطفى الأمين.. وغيرهم من أبناء بربر الأخيار الأبرار.. وكان هاشم لا يأبه للمال ولا يكتنزه ويصرف صرف من لا يخشى الفقر.. فمن أراد التعليم أو العلاج أو السفر أو العمل يبدأ مشواره من منزل هاشم البكري، فكم من أيادٍ له سلفت على ما لا يُحصى من الناس.. وليس له إلا شقيق واحدٌ «محمد» يصغره بعشرين سنة وأمهما فاطمة بت محمد ود مصطفى، وأخواله مصطفى شيخ بربر وعلي مفتش التعليم والصادق ومحمد ود رحمه وعمه مصطفى البكري، وأبناؤه الرشيد ووليد وإخوانهما. كان هاشم صديقاً للجميع بمن فيهم والديه، فقد كان ينادي أمه يا فاطمة.. وينادي أباه يا سلمان وكان يطربهما ذلك.. قال لي «وقد راجعته مرة في إهلاكه للمال» مستشهداً بأبيات إبراهيم ود الفرَّاش: أنا ما تقولوا همَّه.. أنا إتحصنت بي يس وعمَّ بشِقَ الكير عشان أمَّات أزِمَّه.. والتمساح بشيل الأجلو تمَّه.. اللهم تقبل هاشم في الصالحين.. والعزاء للميرفاب أجمعين.. وما كان بدري يا هاشم البكري.. وهذا هو المفروض.