عندما أرادت القيادة العامة إصدار (قانون اللحية)، لم تجد في الأصل قانوناً يحرم على العسكريين اطلاق لحاهم.. فقد كانت حلاقة اللحية مجرد عرف سائد، وكان (التعلمجية) يقولون للمستجد الذي لا يحلق لحيته يومياً (عاوز تبقى قسيس ولا شنو؟) وصدر القانون المستحدث الذي يحدد طول اللحية وعرضها، وضرورة ابلاغ القائد المباشر بمن يريد اطلاق لحيته للعلم وليس لأخذ الإذن.. ثم تلتقط صورة للعسكري الملتحي ويحرم عليه بعد ذلك إزالتها إلا بقرار طبي، وقد كان أول مايفعله العسكري في السابق هو ارسال لحيته، فكل ممنوع مرغوب.. وعندما تصدر كشوفات الإحالة على المعاش، فإن سماسرة السوق يلتقطونها ربما قبل المعنيين بها، ويحومون حولهم بالمغريات والكسب السريع، حتى يشفطوا آخر جنيه من أموالهم التي خرجوا بها من الجيش، فيكون مصيرالضحايا السجن أو العوز أو الفاقة المؤدية الى التسول، وتكفف الناس أعطوهم أو منعوهم، وناس السوق يسمون هؤلاء الضباط (بالطير الخداري)، وقد فطن الرئيس المشير البشير لهذه الحالة، فأصدر قراره بتخصيص عشرة آلاف فدان لعدد ألف ضابط ينضوون تحت الجمعية الخيرية لقدامى المحاربين بواقع عشرة أفدنة لكل ضابط، وظل هذا القرار يتقلب بين الأضابير والأرض المخصصة في القرار بوراً، (لو ربطوا فيها الحمار يقطع حبله)، وتذرو الرياح تربتها وتصفر في عرصاتها، ولما كانت ملكية الأرض على الشيوع فهي بالتالي غير مفروزة، مما يستحيل معه على أي مالك التصرف منفرداً، وفي هذا تحصين للأرض من تغول السماسرة على الطير الخداري.. ومضت عشر سنوات عقدت خلالها الجمعية العمومية للجمعية الخيرية اجتماعاتها وفق الاجراءات المتبعة بدعوة المساهمين، حتى انعقد النصاب بمن حضر لاستحالة جمع ألف ضابط دفعة واحدة، فلكل ظروفه، واختارت الجمعية ضباطها الثلاثة، وخولتهم حق التصرف في كيفية استفادة عضويتها من الأصول المملوكة للجمعية (عشرة آلاف فدان)، وقيض الله سبحانه وتعالى رجلاً شاباً يجيد التخطيط، ويبرع في الاستثمار الاستراتيجي، والمشروعات بعيدة المدى، ذلكم هو السيد أسامة داؤود عبد اللطيف (حامل وسام الجدارة)، الذي أبرم اتفاقاً مع الجمعية بايجار الأرض التابعة لها.. وأضافها لبقية الأراضي التي حاز عليها في ذات المنطقة بالشراء أو بالإيجار، وأقام عليها مشروعاً ضخماً فخماً بعدما عالج تربتها بالمحسنات العضوية والكيماوية، حتى تصبح أرضاً قابلة للزراعة، واستجلب بمليارات الجنيهات معدات الري المحوري العملاقة، وشق القنوات وأقام الأسوار، حتى اخضرت الأرض وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.. وما عادت تلك الأرض البور البلقع، وأصبح كل عضو من الجمعية يصرف سنوياً نصيبه من ايجار أرضه في الوقت المحدد شهر مايو من كل عام، وتذوق الطيرالخداري طعم المنحة الرئاسية لأول مرة. انبرى أحد الضباط من منسوبي الجمعية مطالباً بأرضه من خلال المحاكم، وكانت المحكمة تعلن في كل مرة تسعمائة وتسعين ضابطاً للحضور، ولم يكن بالإمكان عملياً جمع هذا العدد إلا في تلفون النجدة 999، لكن المحكمة تتبع الاجراءات حتى حكمت لصالح المدعي لتكرار غياب المعلنين، فأصبح الفرز جائزاً على الورق، مستحيلاً على الأرض، لكن هذه السابقة أغرت بعض الأعضاء قاربت أعدادهم الثلاثمائة ليطالبوا بفرز نصيبهم، باعتبار أن لجنة الجمعية الخيرية غير مخولة بإيجار أرضهم «بغير رضاهم»، مع أنهم يؤكدون بأنهم يستلمون أنصبتهم المتفق عليها من ريع الأرض بشكل راتب!! وقد أوضح المستشار القانوني للسيد أسامة داؤود سلامة موقف موكله القانوني(في سطرين).. فأصبح النزاع داخل الجمعية نفسها، والسؤال هل يعتبر هذا النزاع بحيثياته التي أوردناها جائزاً شكلاً أو موضوعاً؟ وهل يعتد بالسابقة القضائية التي حكمت لفرد من ألف فرد بجواز فرز حقه من أراضٍ مملوكة على الشيوع؟ وأين وكيف ستحدد ملكية كل فرد؟ ومن يحفظ حقوق المستثمر الذي صرف دم قلبه في هذا المشروع الاستراتيجي، الذي نال مباركة وتشجيع القيادات العليا في الدولة والجيش؟ وسلسلة أسئلة لا تنقطع، ولن أورد تفاصيل عقد الإيجار ومداه الزمني وزيادة الأجرة بنسبتها التصاعدية، ولا التزام الطرفين بالعقد، فالعقد شريعة المتعاقدين وأطرافه أقدر على بيان مواقفهم القانونية والأخلاقية. أنا لا أعرف السيد أسامة داؤود معرفة شخصية إلا من خلال لقاءات عامة عابرة، مع أنه زميل دراسة لصديقي محمد رشاد البلك الفريق الركن (ولد نمرة تلاتة)، لكنني أخشى من مثل هذه التصرفات التي تطفِّش المستثمرين، فكلما نهض مشروع انبرى أهل المنطقة بادعاء ملكية الأرض، ومع ضعف حجة البعض الذين يقولون..(جدي كان بيربط حماره هنا، وحبوبتي كان عندها نعجة هنا)!! الا أنهم يسهمون بشكل أو بآخر في تعطيل وتعويق التنمية الشاملة والمستدامة، وما قصة جياد ببعيدة عن الأذهان.. ولا مشروع زايد الخير، ولا سد مروي، ولا دريم لاند.. قال لي ضابط رفيع من أعضاء الجمعية (والله لو عندي سلطة لنزعت الأرض لصالح هذا المشروع الحيوي، وأعطيت الجمعية أرضاً أخرى غير مستصلحة نشوفهم حيعملوا شنو)! وسأفسح هذا الحيز لمن يريد التعقيب.. لأنني أقف على مسافة متساوية من الجميع. ولكم في مفوضية أراضي دارفور أسوة حسن، فهي تخطط بعلمية ومهنية وخبرات عالمية عالية في كيفية التعامل مع الأرض، والاستفادة المشاعة لاستخداماتها، بدلاً من فلسفة الحواكير التي لا تقطع أرضاً ولا تبقي ظهراً، وأهل دارفور وكردفان يقولون(برمة الشراكة ما بتفور)، وهو ما يقابل المثل القائل(ريسين بيغرقو المركب).. وقول لي يا الطير الخداري.. عاوزين ولا ما عاوزين؟ كان الملك فاروق أول عهد جلوسه على العرش غلاماً أمرد.. وكان هناك صنف من السجائر يحمل صورة الملك فاروق الأمرد، ولما تقدم في السن أرسل لحيته، وجاء رجل طالباً شراء علبة سجائر الملك فاروق.. فقال له البائع وقد حبكت معه النكتة(عاوزها بدقن ولا من غير دقن)!! وهذا هو المفروض